للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو الذي تمثل لها بشرًا سويًّا. أي: روح عيسى، فحملت الذي خاطبها، وحَلَّ في [١]، فيها. وهذا في غاية الغرابة والنكارة، وكأنه إسرائيلي.

﴿قَالتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾ أي: لما تبدى لها الملك في صورة بشر، وهي [٢] في مكان منفرد، وبينها ولن قومها حجاب خافته، وظنت أنه يريدها علي نفسها، فقالت: ﴿إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾ أي: إن كنت تخاف الله، تذكيرًا له بالله، وهذا هو المشروع في الدفع أن يكون بالأسهل فالأسهل، فخوفته أولًا بالله ﷿.

قال ابن جرير: حدثني أبو كريب، حدثنا أبو بكر عن عاصم قال: قال أبو وائل (٦٠) - وذكر قصة مريم- فقال: قد علمت أن التقي ذو نهية حين قالت: ﴿إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قَال إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ﴾.

أي: فقال لها الملك مجيبًا لها ومزيلًا ما حصل عندها من الخوف علي نفسها: لست مما تظنين، ولكني رسول ربك، أي: بعثني الله إليك، ويقال: إنها لما ذكرت الرحمن انتفض جبريل فرقًا، وعاد إلي هيته، وقال: ﴿إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾.

[هكذا قرأ أبو عمرو بن العلاء أحد مشهوري القراء (*). وقرأ الآخرون (* * *): ﴿لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾] [٣] وكلا القراءتين له وجه حسن ومعنى صحيح، وكل تستلزم الأخرى.

﴿قَالتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾ أي [٤]: فتعجبت مريم من هذا، وقالت: كيف يكون لي غلام، أي: على أي صفة يوجد هذا الغلام مني، ولست بذات زوج، ولا يتصور مني الفجور، ولهذا قالت [٥]: ﴿وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا﴾ والبَغِي: هي الزانية، ولهذا جاء في الحديث نهى [٦] عن مهر البغي ﴿قَال كَذَلِكِ قَال رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ أي: فقال لها الملك مجيبًا لها عما سألت: إن الله قد قال: إنه سيوجد منك غلامًا، وإن لم يكن لك بعل، ولا توجد منك فاحشة، فإنه علي ما يشاء قادر، ولهذا قال: ﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً


(٦٠) - أخرجه الطبري (١٦/ ٦١).