الهجرة، وكذلك وقع، فإن أهل مكة هموا بإخراج الرسول منها، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إلا قَلِيلًا (٧٦) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْويلًا﴾ ولهذا أورث اللَّه رسوله مكة فدخلها عنْوَة، على أشهر القولين، وقهر أهلها، ثم أطلقهم حلمًا وكرمًا، كما أورث اللَّه القوم الذين كانوا يستضعفون من بني إسرائيل مشارق الأرض ومغاربها، وأورثهم بلاد فرعون وأموالهم وزروعهم وثمارهم وكنوزهم [١]، كما قال: ﴿كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩)﴾ [الشعراء: ٥٩]، وقال ها هنا: ﴿وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (١٠٤)﴾ [الإسراء: ١٠٤]، أي: جميعكم أنتم وعدوكم.
قال ابن عباس ومجاهد، وقتادة والضحّاك: ﴿لَفِيفًا﴾ أي: جميعًا.
يقول تعالى مخبرًا عن كتابه العزيز وهو القرآن المجيد: أنه بالحق نزل، أي: متضمنًا للحق كما قال تعالى: ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ﴾ أي: متضمنًا [٢] علم اللَّه الذي أراد أن يطلعكم عليه، من أحكامه وأمره ونهيه.
وقوله: ﴿وَبِالْحَقِّ نَزَلَ﴾ أي: وصل إليك -يا محمد- محفوظًا محروسًا، لم يُشَب بغيره، ولا زيد فيه ولا نقص منه؛ بل وصل إليك بالحق؛ فإنه نزل به شديد القوى، الأمين المكين المطاع في الملأ الأعلى.
وقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ﴾، أي: يا محمد، ﴿إلا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ مبشرًا [٣] لمن أطاعك من المؤمنين، و [٤] نذيرًا لمن عصاك من الكافرين.
وقوله: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ﴾، أما قراءة من قرأ بالتخفيف، فمعناه: فصلناه [٥] من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة -من السماء الدنيا-، ثم نزل مُفرًقًا منجمًا على الوقائع إلى رسول اللَّه ﷺ في ثلاث وعشرين سنة، قاله عكرمة عن ابن عباس (٢٨١) أيضًا [٦].
(٢٨١) - أخرجه النسائي في الكبرى -كتاب التفسير، باب: سورة الفرقان (١١٣٧٢) (٦/ ٤٢١). والحاكم في المستدرك (٢/ ٣٦٨). وابن جرير في تفسيره (١٥/ ١٧٨). ومن طريقين عن داود بن أبي هند =