للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنهم من ذهب إلى أنهم يمتحنون يوم القيامة في العَرَصَات؛ فمن أطاع دخل الجنَّة، وانكشف علم الله فيهم بسابق السعادة، ومن عصى دخل النار داخرًا، وانكشف علم الله فيه بسابق [١] الشقاوة.

وهذا القول يجمع بين الأدلة كلها، وقد صرحت به الأحاديث المتقدمة المتعاضدة الشاهد بعضها لبعض. وهذا القول هو الذي حكاه الشيخ أَبو الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعري عن أهل السنة والجماعة، وهو الذي نصره الحافظ أَبو بكر البيهقي في كتاب "الاعتقاد"، وكذلك غيره من محققي العلماء والحفاظ النقاد.

وقد ذكر الشيخ أَبو عمر بن عبد البر النمري (٩٦) بعض ما تقدم من أحاديث الامتحان، ثم قال: وأحاديث هذا الباب ليست قوية، ولا تقوم بها حجة وأهل العلم ينكرونها؛ لأن الآخرة دار جزاء و [٢] ليست دار عمل ولا ابتلاء، وكيف يكلفون دخول النار وليس ذلك في وسع المخلوقين، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها؟!

والجواب عما قال: أن أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح -كما قد [٣] نص على ذلك غير واحد من أئمة العلماء - ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف يَقْوَى بالصحيح والحسن، وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متعاضدة على هذا النمط أفادت الحجة عند الناظر فيها.

وأما قوله: إن الآخرة دار جزاء، فلا شك أنَّها دار جزاء، ولا ينافي التكليف في عرصاتها قبل دخول الجنَّة أو النار، كما حكاه الشيخ أَبو الحسن الأشعري عن مذهب أهل السنة والجماعة من امتحان الأطفال، وقد قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾، وقد ثبتت السنة في الصحاح وغيرها أن المؤمنين


= ومسلم في صحيحه -كتاب الجهاد والسير، باب: جواز قتل النساء والصبيان في البيات من غير تعمد - (٢٦، ٢٧، ٢٨) (١٧٤٥). وأَبو داود -كتاب الجهاد، باب: في قتل النساء (٢٦٧٢). والتِّرمِذي - كتاب السير، باب: ما جاء في النهي عن قتل النساء والصبيان - (١٥٧٠). والنَّسائي في الكبرى - كتاب السير، باب: إصابة أولاد المشركين في البيات بغير قصد - (٨٦٢٣، ٨٦٢٤). وابن ماجة - كتاب الجهاد، باب: الغارة والبيات وقتل النساء والصبيان - (٢٨٣٩) (٢/ ٩٤٧) كلهم من حديث الصحب بن جَثَّامة .. بلفظ "هم من آبائهم".
(٩٦) انظر "التمهيد" - (١٨/ ١٣٠).