وقوله: ﴿والخوف﴾ وذلك أنهم بدلوا بأمنهم خوفًا من رسول الله ﷺ وأصحابه حين هاجروا إلى المدينة، من سطوة [١] سراياه وجيوشه، وجعل [٢] كل مالهم في [دمار وسفال]، حتى فتحها الله عليهم، وذلك بسبب صنيعهم وبغيهم، وتكذيبهم الرسول ﷺ الذي بعثه الله فيهم [٣]، وامتن به عليهم في قوله: ﴿لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولًا من أنفسهم﴾ الآية. وقوله [٤] تعالى: ﴿فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرًا * رسولًا … ﴾ الآية. وقوله [٥]: ﴿كما أرسلنا فيكم رسولًا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة﴾ إلى قوله: ﴿ولا تكفرون﴾.
وكما أنه انعكس على الكافرين حالهم، فخافوا بعد الأمن، وجاعوا بعد الرغد، فبدل الله المؤمنين من بعد خوفهم أمنًا، ورزقهم بعد العيلة، وجعلهم أمراء الناس وحكامهم وسادتهم وقادتهم وأئمتهم.
وهذا [٦] الذي قلناه من أن هذا المثل مضروب [٧] لمكة [٨] قاله العوفي عن ابن عباس، وإليه ذهب مجاهد وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وحكاه مالك عن الزهريّ ﵏.
وقال ابن جرير (٦٦): حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا نافع بن يزيد، حدثنا عبد الرحمن بن شريح: أن عبد الكريم بن الحارث الحضرمي حدثه: أنه سمع [مشرح بن هاعان][٩] يقول: سمعت سليم بن عَتْر [١٠] يقول: صدرنا من الحج مع حفصة زوج النبي ﷺ، وعثمان ﵁ محصور بالمدينة، فكانت تسأل عنه ما فعل؟ حتى رأت راكبين: فأرسلت إليهما تسألهما [١١]، ففالا: قتل. فقالت حفصة: والذي نفسي بيده إنها القرية- التي قال الله تعالى: ﴿وضرب إلَّا مثلًا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان فكفرت بأنعم الله﴾. قال [١٢]