للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول: "إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان وإن من أعظم الغدر -إلا أن يكون الإشراك بالله- أن يبايع رجل رجلًا على بيعة [١] الله ورسوله ثم ينكث بيته" فلا يخلعنّ [٢] أحد منكم يزيد، ولا يسرفن أحد منكم في هذا الأمر، فيكون [صيلم] (*) بيني وبينه (٤٩).

المرفوع منه في الصحيحين (٥٠).

وقال الإِمام أحمد (٥١): حدثنا يزيد، حدثنا حجاج، عن عبد الرحمن بن عابس، عن أبيه، عن حذيفة قال: سمعت رسول الله يقول: "من شرط لأخيه شرطًا لا يريد أن يفي له به، فهو كالمدلي جاره إلى غير منعة".

وقوو: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ تهديد ووعيد لمن نقض الأيمان بعد توكيدها.

وقوله: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا﴾ قال عبد الله بن كثير والسدي: هذه امرأة خرقاء كانت بمكة، كلما غزلت شيئًا نقضته بعد إبرامه.

وقال مجاهد وقتادة وابن زيد: هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده.

وهذا القول أرجح وأظهر، وسواء كان بمكة امرأة تنقض غزلها أم لا.

وقوله ﴿أَنْكَاثًا﴾ يحتمل أن يكون اسم مصدر ﴿نَقَضَتْ غَزْلَهَا [مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ] [٣] أَنْكَاثًا﴾ أي: أنقاضًا، ويحتمل أن يكون بدلًا عن خبر كان، أي: لا تكونوا أنكاثا، جمع نكث من ناكث، ولهذا قال بعده: ﴿تَتَّخِذُونَ أَيمَانَكُمْ دَخَلًا بَينَكُمْ﴾ أي: خديعة ومكرًا ﴿أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ﴾ أي: تحلفون للناس، إذا كانوا أكثر منكم ليطمئنوا إليكم، فإذا أمكنكم الغدر بهم غدرتم، فنهى الله عن ذلك؛ لينبه بالأدنى على الأعلى، إذا كان قد نهى عن الغدر والحالة هذه، فلأن ينهى عنه مع التمكن والقدرة بطريق


(*) - الصيلم القطعة.
(٤٩) - المسند (٢/ ٤٨) (٥٠٨٨).
(٥٠) - أخرجه البخاري في كتاب الجزية والموادعة، باب: إثم الغادر للبر والفاجر، حديث (٣١٨٨) (٦/ ٢٨٣)، وأطرافه في (٦١٧٧، ٦١٧٨، ٦٩٦٦، ٧١١١). ومسلم في كتاب الجهاد والسير، باب: تحريم الغدر، حديث (٩، ١٠، ١١/ ١٧٣٥) (١٢/ ٦٢ - ٦٤).
(٥١) - أخرجه أحمد (٤/ ٤٠٥) رقم (٢٣٥٤٥)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٤/ ٢٠٥) وعزاه لأحمد وقال: "وفيه الحجاج بن أرطاة، وهو ثقة مدلس، وبقية رجاله رجال الصحيح".