وعلى هذين تكون الواو عاطفة صفات على صفات كما قال تعالى: ﴿سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى﴾.
وكما قال الشاعر:
إلى الملك القَرم وابن الهُمام … وليثِ الكتيبة [١] في المُزدَحَم
فعطف الصفات بعضها على بعض، والموصوف واحد.
والثالث: أن الموصوفين أوّلًا مؤمنو العرب، والموصوفون ثانيًا بقوله: ﴿والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك﴾. الآية مؤمنو [٢] أهل الكتاب. نقله السدي في تفسيره عن ابن عباس، وابن مسعود، وأناس من الصحابة [٣]، واختاره ابن جرير ﵀ ويستشهد لما قال بقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ﴾ الآية. وبقوله تعالى: ﴿وَإِذَا يُتْلَى عَلَيهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَينِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾، وبما [٤] ثبت في الصحيحين (١٠٥) من حديث الشعبي، عن أبي بردة، عن أبي موسى، أن رسول الله ﷺ قال:"ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي، ورجل مملوك أدَّى حق الله وحق مواليه، ورجل أدب جاريته فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها".
وأما ابن جرير فما استشهد على صحة ما قال إلا بمناسبة، وهي أن الله تعالى وصف في أول هذه السورة المؤمنين والكافرين، فكما أنه صنف الكافرين إلى صنفين: كافر، ومنافق، فكذلك المؤمنون صنفهم إلى صنفين: عربي، وكتابي.
(قلت): والظاهر قول مجاهد، فيما رواه الثوري عن رجل، عن مجاهد. ورواه غير واحد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، أنه قال: أربع آيات من أوّل [٥] سورة البقرة في نعت المؤمنين، وآيتان في نعت الكافرين، وثلاث عشرة في المنافقين.
(١٠٥) - صحيح البخاري، كتاب العلم، باب: تعليم الرجل أمته وأهله رقم (٩٧) وصحيح مسلم، كتاب الإيمان برقم ٢٤١ - (١٥٤) بمعناه.