للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال علي بن أبي طلحة وغيره: عن ابن عباس (٨٦) : ﴿يُؤْمِنُونَ﴾: يصدّقون.

وقال معمر، عن الزهري: الإيمان: العمل (٨٧).

وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس (٨٨): ﴿يُؤْمِنُونَ﴾: يخشون.

قال ابن جرير (٨٩) وغيره: والأولى أن يكونوا موصوفين بالإيمان بالغيب قولًا واعتقادًا وعملًا. قال: وقد تدخل الخشية لله في معنى الإيمان، الذي هو تصديق القول بالعمل، والإيمان كلمة جامعة للإقرار بالله وكتبه ورسله، وتصديق الإقرار بالفعل.

(قلت): أما الإيمان في اللغة فيطلق على التصديق المحض، وقد يستعمل في القرآن والمراد به ذلك، كما قال تعالى: ﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ وكما قال إخوة يوسف لأبيهم: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ وكذلك إذا استعمل مقرونًا مع الأعمال كقوله تعالى: ﴿إلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ فأما إذا استعمل مطلقًا فالإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقادًا وقولًا وعملًا، هكذا ذهب إليه أكثر الأئمة، بل قد حكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيد وغير واحد إِجماعًا أن الإيمان: قول وعمل، يريد وينقص. وقد ورد فيه آثار كثيرة، وأحاديث أوردنا الكلام فيها في أول شرح البخاري، ولله الحمد والمنة.

ومنهم [١] من فسره بالخشية كقوله [٢] تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيبِ﴾ وقوله: ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ والخشية خلاصة الإيمان والعلم، كما قال تعالى [٣]: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾.

[وقال بعضهم: يؤمنون بالغيب كما يؤمنون بالشهادة، وليسوا كما قال تعالى: عن المنافقين: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ وقال: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (١)﴾ فعلى هذا يكون قوله: بالغيب حالًا، أي: في حال كونهم غيبًا عن


(٨٦) - تفسير ابن جرير (٢٦٨).
(٨٧) - تفسير ابن جرير (٢٧٠).
(٨٨) - تفسير ابن جرير (٢٦٩).
(٨٩) - تفسير ابن جرير (١/ ٢٣٥).