عسق﴾ لأن أساليب كلامهم على هذا من الكلمات، ما هو على حرف وعلى حرفين وعلى ثلاثة وعلى أربعة وعلى خمسة لا أكثر من ذلك.
(قلت] [١] ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن، وبيان إعجازه وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء، وهو الواقع [في تسع وعشرين سورة][٢]، ولهذا يقول تعالى: ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيبَ﴾ ﴿الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَينَ يَدَيهِ﴾، ﴿المص (١) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ﴾، ﴿الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ﴾، ﴿الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالمِينَ﴾، ﴿حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ﴿كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣)﴾ [الشورى: ٣] ﴿حم (١) عسق (٢) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر، والله أعلم.
وأما من زعم أنها دالة على معرفة المدد، وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملاحم، فقد ادعى ما ليس له، وطار في غير مطاره، وقد ورد في ذلك حديث ضعيف، وهو مع ذلك أدل على بطلان هذا المسلك من التمسك به على صحته، وهو ما رواه محمد بن إسحاق بن يسار -صاحب المغازي (٧١) -: حدّثني الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن جابر بن عبد الله بن رئاب [٣] قال: مر أبو ياسر بن أخطب في رجال من يهود برسول الله ﷺ وهو يتلو فاتحة سورة البقرة: ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيبَ فِيهِ﴾ فأتى أخاه حُيي بن أخطب في رجال من اليهود فقال: تعلمون والله لقد سمعت محمدًا يتلو فيما أنزل اللَّه تعالى عليه: ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ فقال: أنت سمعته؟ قال: نعم. قال: فمشى حُيي بن أخطب في أولئك النفر من اليهود [٤] إلى رسول اللَّه ﷺ، فقالوا: يا محمد، ألم تذكر أنك تتلو فيما أنزل الله عليك: ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾؟ فقال رسول الله ﷺ:"بلى". فقالوا: جاءك [٥] بهذا جبريل من عند الله؟ فقال:"نعم" قالوا: لقد بعث الله قبلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك، فقام [٦] حُييّ بن أخطب وأقبل على من كان معه، فقال لهم: الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنة، [أفتدخلون في دين نبي إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة؟][٧] ثم أقبل على رسول
(٧١) - رواه البخاري في التاريخ الكبير (٢/ ٢٠٧ - ٢٠٨)، وابن جرير في تفسيره ٢٤٦ - (١/ ٢١٦ - ٢١٨) من طريق ابن إسحاق، وهو في السيرة النبوية لابن هشام (٢/ ١٩٤ - ١٩٥).