يخبر تعالى أنه إذا أذاق الناس رحمة من بعد ضراء مستهم، كالرخاء بعد الشدة، والخصب بعد الجدب، والمطر بعد القحط ونحو ذلك ﴿إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا﴾.
قال مجاهد: استهزاء وتكذيب. كقوله: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ [١] دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾. وفي الصحيح (٢٢) أن رسول الله ﷺ صلَّى بهم الصبح على إثر سماء [كانت من الليل أى: مطر][٢] ثم قال: "هل تدرون ماذا قال ربكم الليلة؟ " قالوا [٣]: الله ورسوله أعلم. قال:"قيل: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب".
وقوله: ﴿قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا﴾ أي: أشد استدراجًا وإمهالًا، حتى يظن الظان من المجرمين أنه [ليس بمعذب][٤] وإنما هو في مهلة، ثم يؤخذ على غرة منه، والكاتبون الكرام يكتبون عليه جميع ما يفعله ويحصونه [٥] عليه، ثم يعرضونه على عالم الغيب والشهادة، فيجازيه على الجليل والحقير والنقير والقطمير.
ثم أخبر تعالى أنه ﴿هُوَ [٦] الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ أي: يحيطكم [٧] ويكلؤكم بحراسته ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا﴾ أي: بسرعة سيرهم رافقين [٨]، فبينما هم كذلك إذ ﴿جَاءَتْهَا﴾ أي: تلك السفن ﴿رِيحٌ عَاصِفٌ﴾ أي: شديدة ﴿وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ أي: اغتلم البحر عليهم ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ﴾ أي: هلكوا ﴿دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ أي [٩]: لا يدعون معه صنمًا ولا وثنًا، بل [١٠] يفردونه بالدعاء والابتهال، كقوله تعالى: ﴿وَإِذَا
(٢٢) - أخرجه البخارى، كتاب: الأذان، باب: يستقبلُ الإمام الناسَ إذا سلم (٨٤٦)، ومسلم، كتاب: الإيمان باب: بيان كفر من قال: مطرنا بالنوء (١٢٥) (٧١)، وأبو داود، كتاب: الطب، باب: في النجوم (٣٩٠٦)، والنسائي، كتاب: الاستسقاء، باب: كراهية الاستمطار بالكوكب (٣/ ١٦٤ - ١٦٥)، وأحمد (٤/ ١١٥) من حديث زيد بن خالد الجهني.