للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: أنه لا يجب استيعابها، بل يجوز الدفع إلى واحد منها، ويُعْطَى جميع الصدقة مع وجود الباقين، وهو قول مالك وجماعة من السلف والخلف، منهم عمر، وحذيفة، وابن عباس وأبو العالية، وسعيد بن جبير، وميمون بن مهران.

قال ابن جرير: وهو قول عامة أهل العلم، وعلى هذا فإنما ذكرت الأصناف هاهنا لبيان المصرف لا لوجوب استيعاب الإِعطاء.

ولوجوه الحجاج والمآخذ مكان غير هذا، والله أعلم.

وإنما قدم الفقراء هاهنا [] [١]؛ لأنهم أحوج من البقية [٢] على المشهور، [و] [٣] لشدة فاقتهم وحاجتهم. وعند أبي حنيفة أن المسكين اسوأ حالًا من الفقير، وهو كما قال.

قال ابن جرير (١١٩): حدثني يعقوب، حدثنا ابن علية، أنبأنا ابن عون، عن محمد قال: قال عمر : الفقير ليس بالذي لا مال له، ولكن الفقير الأخلق (*) الكسب. قال ابن علية: الأخلق: المُحارَف (**) [٤] عندنا.

والجمهور على خلافه.

وروي عن ابن عباس، ومجاهد، والحسن البصري، وابن زيد (* * *) - و [اختاره] [٥] ابن جرير - وغير واحد: أن الفقير هو المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئًا، والمسكين هو الذي يسأل ويطوف يتبع الناس.

وقال قتادة: الفقير من به زَمَانة، والمسكين الصحيح الجسم.


(١١٩) - تفسير الطبري (١٤/ ٣٠٨) رقم (١٦٨٣٣).
(*) يقال: حجر أخلق: أي: أملس مُصْمَت لا يؤثر فيه شيء. أراد أن الفقر الأكبر هو فقر الآخرة، وأن فقر الدنيا أهون الفقرين. ومعنى وصف الكسب بذلك أنه وافر منتظم، لا يقع فيه وكس ولا شطط … وهو مثل للرجل الذي لا يصاب في ماله ولا ينكب فيثاب على صبره، فإذا لم يصب فيه ولم ينكب كان فقيرًا من الثواب.
(**) المُحارف - بفتح الراء - هو المحروم المجدود، الذي إذا طلب لا يرزق.
(* * *) انظر هذه الآثار فى تفسير الطبري [١٤/ ٣٠٥، ٣٠٦].