للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخسرتُ إن لم أكن أعدل". ثم قال رسول الله، ، وقد رآه مُقَفيًا (*): "إنه يخرج من ضِئْضِئ (**) هذا قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمِيَّة، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنه شر قتلى تحت أديم السماء". وذكر بقية الحديث.

ثم قال تعالى منبهًا لهم على ما هو خير [من ذلك لهم] [١]، فقال: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ﴾ فتضمنت هذه الآية [٢] الكريمة أدبًا [٣] عطيمًا وسرًّا شريفًا، حيث جعل الرضا بما آتاه الله ورسوله، والتوكل على الله وحده وهو قوله: ﴿وقالوا حسبنا الله﴾ وكذلك الرغبة إلى الله وحده - في التوفيق لطاعة الرسول، ، وامتثال أوامره، وترك زواجره، وتصديق أخباره، والاقتفاء بآثاره.

﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠)

لما ذكر تعالى اعتراض المنافقين الجهلة على النبي، ، ولمزهم إياه في قسم الصدقات، بَيَّن تعالى أنه هو الذي قسمها، وبين حكمها، وتولى أمرها بنفسه، ولم يَكِلْ قسمها إلى أحد غيره، فجزَّأها لهؤلاء المذكورين، كما رواه الإِمام أبو داود في سننه من حديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم - وفيه ضعف - عن زياد بن نعيم، عن زياد بن الحارث الصدائي، ، قال: أتيت النبي، ، فبايعته، فأتي رجل فقال: أعطني من الصدقة. فقال له: "إن الله لم يرض بحكم نبي، ولا غيره في الصدقات، حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أصناف، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك" (١١٨).

فقد اختلف العلماء في هذه الأصناف الثمانية: هل يجب استيعاب الدفع إليها، أو إلى ما أمكن منها؟ على قولين: أحدهما: أنه يجب ذلك، وهو قول الشافعي وجماعة.


(*) أي: مولِّيًا؛ كأنه من ولَّي وأعطانا قفاه.
(**) الضئضئ: أصل الشيء.
(١١٨) - سنن أبي داود، كتاب الزكاة، باب: من يعطي من الصدقة، وفضل الغني برقم (١٦٣٠).