للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العذاب، كما قال الله تعالى: ﴿مَا نُنَزِّلُ [١] الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ﴾، وقال [٢] تعالى: ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ [وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا] [٣]﴾، وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾ أي: لو أنزلنا مع الرسول البشري ملكا، أي [٤]: لو بعثنا إلى البشر رسولًا ملكيًّا لكان على هيئة الرجل؛ لتُفْهَم مخاطبته والانتفاع بالأخذ عنه، ولو كان كذلك لالتبس عليهم الأمر، كما يلبسون على أنفسهم في قبول رسالة البشري، كقوله [٥] تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا﴾، فمن رحمته تعالى بخلقه: أنه يرسل إلى كل صنف من الخلائق رسلًا منهم؛ ليدعوا بعضهم بعضًا؛ وليمكن بعضهم أن ينتفع ببعض في المخاطبة والسؤال، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ] [٦]﴾ الآية.

قال الضحاك (١٢): عن ابن عباس في [قوله: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا﴾] [٧] يقول: لو أتاهم ملك ما أتاهم إلا في صورة رجل [٨]؛ لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة من النور. ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾ أي: ولخلطنا عليهم ما يخلطون.

وقال الوالبي (١٣) عنه: ولشبَّهنا عليهم.

وقوله [٩]: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ هذا تسلية للنبي في تكذيب من كذبه من قومه، ووعد له وللمؤمنين به بالنصرة، والعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة.

ثم قال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ أي: فكروا في أنفسكم، وانظروا ما أحل الله بالقرون الماضية الذين كذبوا رسله [١٠] وعاندوهم: من العذاب


(١٢) - أخرجه ابن جرير (١١/ ١٣٠٨٤) وابن أبي حاتم (٤/ ٧١٢٨، ٧١٢٩، ٧١٣١) من طريق بشر بن عمارة عن أبي روق عنه به. والضحاك لم يسمع من ابن عباس وبشر بن عمارة ضعيف.
(١٣) - هذه النسبة إلى والبة، وهي حيٌّ من بني أسد [انظر "الأنساب" للسمعاني (٥/ ٥٦٨)] والأثر أخرجه ابن جرير (١١/ ١٣٠٨٩) وابن أبي حاتم (٤/ ٧١٣٢) من طريق على بن أبى طلحة عن ابن عباس.