للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله تعالى: ﴿وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم﴾ أي: وإن تسألوا عن هذه الأشياء التي نهيتم عن السؤال عنها، حين ينزل الوحي على رسول اللَّه تبين لكم، وذلك يسير.

ثم قال: ﴿عفا اللَّه عنها﴾ أي: عما كان منكم قبل ذلك ﴿واللَّه غفور حليم [١]﴾.

وقيل: المراد بقوله: ﴿وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم﴾ أي: لا تسألوا عن أشياء تستأنفون السؤال عنها، فلعله قد ينزل بسبب سؤالكم تشديد أو تضييق، وقد ورد في الحديث: "أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن شيء لم يحرم، فحرم من أجل مسألته" (٧٨٣). ولكن إذا نزل القرآن بها مجملة فسألتم عن بيانها حينئذٍ، تبينت لكم لاحتياجكم إليها.

﴿عفا اللَّه عنها﴾ أي: ما لم يذكره في كتابه فهو مما عفا عنه، فاسكتوا أنتم عنها كما سكت عنها، وفي الصحيح (٧٨٤) عن رسول اللَّه أنه قال: "ذروني ما تركْتُكم [٢]، فإنما أهلك من كان قبلكم: كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم".

وفي الحديث الصحيح أيضًا: "إن اللَّه تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها" (٧٨٥).


(٧٨٣) - رواه البخاري في "صحيحه" كتاب الاعتصام، باب: ما يكره من كثرة السؤال، ومن تكلف ما لا يعنيه حديث (٧٢٨٩)، ومسلم كتاب الفضائل، باب توقيره ، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه أو لا يتعلق به تكليف حديث (١٣٣٧)، وأبو داود كتاب السنة، باب: لزوم السنة حديث (٤٦١٠)، والحميدي (٦٧)، وأحمد (١/ ١٧٦، ١٧٩) وغيرهم من حديث عامر بن سعد عن أبيه وقد تقدم في تفسير سورة البقرة الآية (١٠٨).
(٧٨٤) - تقدم في تفسير سورة البقرة/ الآية (١٠٨).
(٧٨٥) - رواه الدارقطني في سننه (٤/ ١٨٣، ١٨٤) من طريق إسحاق الأزرق نا داود بين أبي هند عن مكحول عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول اللَّه : إن اللَّه ﷿ فرض فرائض … فذكر الحديث. وقد تابع إسحاق الأزرق على هذا الحديث غير واحد منهم محمد بن فضيل كما في العلل للدارقطي (٦/ ٣٢٤) وعلى بن مسهر عند البيهقي في السنن (١٠/ ١٢، ١٣)، وقد رواه البيهقي (١٠/ ١٢) من طريق حفص بن غياث عن داود بن أبي هند موقوفًا وكذلك رواه وريد بن هارون عن داود=