وقوله تعالى: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ﴾ أي: ومن الذين ادّعوا لأنفسهم أنهم نصارى، يتابعون المسيح ابن مريم ﵇ وليسوا كذلك، أخذنا عليهم [١] العهود والمواثيق على متابعة الرسول ﵌ ومناصرته، ومؤازرته، واقتفاء آثاره، وعلى [٢] الإِيمان بكل نبى يرسله الله إِلى أهل الأرض، ففعلوا كما فعل اليهود، خالفوا المواثيق، ونقضوا العهود؛ ولهذا قال تعالى: ﴿فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ أي: فألقينا بينهم العداوة والبغضاء [٣] لبعضهم بعضًا، ولا يزالون كذلك إِلى قيام الساعة، وكذلك طوائف النصارى على اختلاف أجناسهم؛ لا يزالون متباغضين متعادين، يكفر بعضهم بعضًا، ويلعن بعضهم بعضًا، فكل فرقة تحرم الأخرى، ولا تدعها تلج معبدها؛ فالملكية تكفر اليعقوبية، وكذلك الآخرون، وكذلك النسطورية والآريوسية، كل طائفة تكفر الأخرى في هذه الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد.
ثم قال تعالى: ﴿وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾. وهذا تهديد ووعيد أكيد للنصارى، على ما ارتكبوه من الكذب على الله وعلى [٤] رسوله، وما نسبوه إِلى الرب ﷿ وتعالى وتقدّس عن قولهم علوًّا كبيرًا، من جَعْلِهم له صاحبةً وولدا، تعالى الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد.
يقول تعالى مخبرًا عن نفسه الكريمة أنه قد أرسل رسوله محمدًا ﷺ بالهدى ودين الحق إلى جميع أهل الأرض؛ عربهم وعجمهم، أمّيهم وكتابيهم [٥]، وأنه بعثه بالبينات، والفرق بين
(٢٦٦) - رواه عبد الرزاق فى تفسيره (١/ ١٨٥)، ومن طريقه ابن جرير فى تفسيره (١٠/ ١٣٤) =