قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن حرب الموصلي، حدثنا ابن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قول الله: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ إلى قوله: ﴿غُفْرَانَكَ رَبَّنَا﴾ قال: قد غفرت لكم ﴿وَإِلَيكَ الْمَصِيرُ﴾ أي: إليك المرجع والمآب يوم [][١] الحساب.
قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا جرير، عن [٢] بيان، عن حكيم، عن جابر، قال: لما نزلت على رسول الله ﷺ ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيكَ الْمَصِيرُ﴾ قال جبريل: إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك، فسل تعطه. فسأل ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا﴾ إلى آخر الآية.
وقوله: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا﴾ أي: لا يكلف أحدًا فوق طاقته، وهذا من لطفه تعالى بخلقه، ورأفته بهم، وإحسانه إليهم، وهذه هي الناسخة الرافعة لما كان أشفق منه الصحابة في قوله: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ أي: وهو [٣]، وإن حاسب وسأل، لكن لا يعذب إلا بما يملك الشخص دفعه، فأما ما لا يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثِها فهذا لا يكلف به الإنسان، وكراهية الوسوسة السيئة من الإِيمان.
وقوله: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾ أي: من خير ﴿وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ أي: من شر. وذلك في الأعمال التي تدخل تحت التكليف. ثم قال تعالى مرشدًا عباده إلى سؤاله، وقد تكفل لهم بالإجابة كما أرشدهم وعلمهم أن يقولوا: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ أي: إن [٤] تركنا فرضًا على جهة النسيان، أو فعلنا حرامًا كذلك، أو أخطأنا -أي- الصواب في العمل جهلًا منا بوجهه الشرعي. وقد تقدم في صحيح مسلم [من حديث][٥] أبي هريرة [٦][]: "قال الله: نعم". ولحديث ابن عباس، قال الله:"قد فعلت".
وروى ابن ماجة في سننه، وابن حبان في صحيحه (١٧٧٣) من حديث أبي عمرو الأوزاعي،
(١٧٧٣) - سنن ابن ماجة: كتاب الطلاق، باب: طلاق المكره والناسي (١/ ٦٥٩/ رقم: ٢٠٤٥). صحيح ابن حبان: (١/ ١٧٨ / رقم: ١٤٣). والدارقطني: (٣/ ١٣٩). والمعجم الكبير للطبراني: (١١/ ٨٩ / رقم: ١١١٤١). والسنن الكبرى للبيهقي: (٨/ ٢٦٤). والحاكم: (١/ ٢٥٨)، (٢/ ٥٩).