والمُرْتَاضُ كالطبيبِ العاقلِ عندَ حُضورِ الطعامِ؛ يتناولُ ما يُصْلِحُهُ، ويكفُّ عمَّا يؤذيهِ، وعادمُ الرياضةِ كالصبيِّ الجاهلِ؛ يأْكُلُ ما يشتهي، ولا يُبالي بما جنى.
الشبهةُ الخامسةُ: أَنَّ قومًا منهم داموا على الرياضة مدة، فرأَوْا أَنَّهُم قد تجوهروا، فقالوا: لا نبالي الآن ما عملنا، وإِنَّما الأوامر والنواهي رسومٌ للعوام، ولو تجوهروا سقطت عنهم.
قالوا: وحاصل النبوة ترجع إلى الحكمة والمصلحة، والمراد منها ضبط العوام، ولسنا نحن من العوام فندخل في حَجْرِ التكليف لأنا قد تجوهرنا وعرفنا الحكمة (١).
وهؤلاءِ رأَوْا أَنَّ مِن أثر تجوهرهم ارتفاع الحَمِيَّة عنهم، حتى قالوا: إِنَّ رتبة الكمال لا تحصل إلا لمن رأى أهله مع أجنبي فلم يقشعر جلده، فإن اقشعر فهو ملتفت إلى حظ نفسه لم يكْمُلْ بعد إذ لو كمل لماتت نفسه فسموا الغيرة نفسًا، وسموا ذهابَ الحمية الذي هو وصفُ المخانيثِ كمال الإيمان.
وقد ذكر ابن جرير في تاريخه أن الرَّاونديَّة كانوا يَسْتَحِلُّونَ الحُرمات، فيدعو
(١) وقد سئل شيخ الإسلام عن حال هؤلاء كما ذكر المؤلف بنصه فأوضح أنهم أكفر أهل الأرض ثم قال: ومن جحد وجوب بعض الواجبات الظاهرة المتواترة كالصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وحج البيت العتيق أو جحد تحريم بعض المحرمات الظاهرة المتواترة كالفواحش والظلم والخمر والميسر والزنا وغير ذلك أو جحد حل بعض المباحات الظاهرة المتواترة كالخبز واللحم والنكاح فهو كافر مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل وإن أضمر ذلك كان زنديقًا منافقًا لا يستتاب عند أكثر العلماء، بل يقتل بلا استتابة إذا ظهر ذلك منه. ومن هؤلاء من يستحل بعض الفواحش: كاستحلال مؤاخاة النساء الأجانب والخلو بهن زعمًا منه أنه يحصل لهن البركة بما يفعله معهن وإن كان محرمًا فى الشريعة وكذلك من يستحل ذلك من المردان ويزعم أن التمتع بالنظر إليهم ومباشرتهم هو طريق البعض السالكين حتى يترقى من محبة المخلوق إلى محبة الخالق .. فهؤلاء كلهم كفار باتفاق المسلمين. انظر: الفتاوى ١١/ ٤٠١ - ٤٠٦.