للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رواحِلَهُم في الجنَّة منذُ مائةِ سنةٍ ومائتَي سنةٍ، وأنتَ تذكُرُهم وتغتابُهم على أديمِ الأرضِ! فبكَى عبدُ الرحمن، وقال: يا أبا يعقوب، لو سمِعتُ هذه الكلمةَ قبلَ تصنِيفِي هذا الكتاب لم أصنِّفْهُ (١).

قلت: عفَا اللهُ عن ابنِ أبِي حاتمٍ، فإنَّهُ لو كان فقِيهًا لردَّ عليهِ كما ردَّ الإمامُ أحمد علَى أبِي ترابٍ.

ولولا الجرحُ والتعديلُ مِن أين كان يُعرَفُ الصَّحيحُ من الباطلِ؟! ثم كونُ القومِ في الجنَّةِ لا يمنعُ أن نذكُرَهُم بما فيهم، وتسميةُ ذلكَ غِيبةً حديثُ سوءٍ (٢)، ثمَّ مَن لا يدرِي الجرحَ والتعديلَ ما هُوَ كيفَ يُذْكَر كلامُه؟! وينبغِي ليوسُفَ أن يشتَغِلَ بالعجائِب التي تُحكَى عنهُ عن مثلِ هذا.

• أَخبَرنا أبو بكرِ بنُ حبيبٍ، قال: أنا أبو سعدِ بنُ أبي صادقٍ، قال: أنا ابن باكويه، قال: سمعت عبدَ الله بنَ يزيد (٣) الأردبيلي يقول: سمعتُ أبا العبَّاس بنَ عطاءٍ يقول: مَن عرفَ الله أمسَكَ عن رفعِ حوائِجِه إليهِ؛ لمِا علِم أنهُ العالِمُ بأحوالِهِ (٤).


(١) أخرجه الخطيب في الكفاية في علم الرواية ص ٣٨، والذهبي في التذكرة ٣/ ٨٣١ والسير ١١/ ٩٥ و ١٣/ ٢٦٨. وقال: أصابه على طريق الوجل وخوف العاقبة وإلّا فكلام الناقد الورع في الضعفاء من النصح لدين الله والذبِّ عن السنة. انظر: الكفاية ص ٣٨ - ٤٦ والجامع لأخلاق الراوي ٢/ ٢٠١ للخطيب البغدادي.
(٢) جاء في النسخ: حديث نسوي والمثبت من بعض نسخ دار الكتب المصرية. والمعنى: نِسْوِيٌّ في النِّسْبَةُ إلى النساء. والنَّسْوَةُ بالفتح: التَّرْكُ للعَمَلِ. أو أنها من النِّسْيُ: وهو ما نُسي وما سقط في منازل المُرتحلين من رُذال أَمتعتهم. فكأن تسمية الجرح والتعديل غيبة كلام ساقط لا قيمة له. انظر: القاموس المحيط ص ١٧٢٥ ومختار الصحاح ص ٦٨٨ والمصباح المنير ص ٧٠٧.
وانظر في بيان أن الجرح والتعديل ليس بغيبة: قول ابن الأثير في جامع الأصول ١/ ١٣٠ والحافظ في لسان الميزان ١/ ٣ والإمام النووى في رياض الصالحين باب (٢٥٦): ما يباح من الغيبة. وهناك نصوص كثيرة عن الأئمة تبين جواز هذا، بل وجوبه للحاجة. انظر في ذلك: دراسات في الجرح والتعديل ص ٥٧ - ٦٣.
(٣) في (م): زيد.
(٤) لم أجد من أخرجه غير المؤلف. ولابن باكويه كتاب في أخبار الصوفية في عداد المفقود يقرب أن يكون فيه.

<<  <   >  >>