للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقولُ أبي حمزةَ: نوقرتُ (١) في باطِني. هذا مِن حديثِ النَّفسِ الجاهِلَةِ التي قد استقرَّ عندها بالجَهل أنَّ التوكلَ تركُ التمسُّكِ بالأسبابِ؛ لأنَّ الشرعَ لا يطلبُ من الإنسانِ ما نهاهُ عنهُ، وهلَّا نافَرَهُ باطنُه في مدِّ يدِهِ وتعلُّقِهِ بذلكَ وتمسُّكِهِ به، فإنَّ ذلك نقضٌ لما ادَّعاهُ مِن تركِ الأسباب، وأيُّ فرقٍ بين قولِهِ: أنا فِي البئرِ، وبين تمسُّكِهِ بما تدلَّى عليه؟! لا، بل هذا آكدُ؛ لأنَّ الفِعلَ آكدُ من القول، فهلَّا سكَنَ حتَّى يُحمَلَ بلا سببٍ.

فإن قال: هذا بعَثَهُ اللهُ لي!

قلنا: والذي جازَ على البِئرِ مَن بعثَهُ؟ واللسانُ المستَغِيث مَن خلقَهُ؟ فإنَّهُ لو استغاثَ كان مُستعمِلًا للأسبابِ التي خلَقَها اللهُ تعالى للدَّفعِ عنه، فلم يُلَم، وإنما بِسُكُوتِهِ عطَّل الأسبابَ، ودفَعَ الحكمَ فصَلُحَ (٢) لومهُ، وأمَّا تخلِيصُهُ بأسدٍ، فإنْ صحَّ هذا فقد يتفقُ مثلهُ، ثم لا نُنكِرُ أنَّ اللهَ تعالى يَلطُفُ بعبدِهِ، وإنما نُنكِرُ فعلَهُ المخالِفَ للشَّرع.

• أخبرنا أبو منصورٍ القزَّاز، قال: أنا أبو بكرٍ أحمدُ بن عِليِّ بنِ ثابتٍ، قال: نا عبدُ العزِيزِ بنِ أبي الحسَنِ، قال: سمعتُ عليَّ بنَ عبدِ اللهِ بنِ جهضمٍ بمكَّةَ يقول: نا الخلدي، قال: قال جُنَيدٌ: قال لِي محمدُ السَّمِين: كُنتُ في طريقِ الكوفةِ بقُربِ الصحراء التي بِبَزِيقيا (٣) والطريقُ منقطِعٌ، فرأيتُ على الطريقِ جملًا قد سقطَ وماتَ، ورأيتُ عليهِ سبعةً أو ثمانيةً مِن السِّباعِ تَتَناهَشُ، ويحمِلُ بعضُها على بعضٍ، فلمَّا أن


(١) وفي (م) و (ت): توقرت. وفي المصادر ونسخ دار الكتب المصرية: نوديت. وقول المؤلف: في باطني. لم ترد هذه الجملة في القصة هنا ولا في مصادرها ولعلها جملة تفسيرية من المؤلف .
(٢) وفي هامش (م): فحسن.
(٣) جاء في تاريخ بغداد ٥/ ٣٤٨: ببريقيا. وفي تحقيق بشار ٣/ ٣١١: بِبَزِيقيا. وبَزِيْقِيا: قرية قرب حلة بني مزيد من أعمال الكوفة. انظر: معجم البلدان ١/ ٤١٢.

<<  <   >  >>