قال المصنِّفُ ﵀ قلت: اختلَفُوا في أبِي حمزَةَ هذا الواقعِ في البئرِ، فقال أبو عبدِ الرَّحمنِ السُّلَمِي: هو أبُو حمزَةَ الخرساني، وكانَ مِن أقران الجُنَيد، وقد ذَكرنا فِي رِوايةٍ أنه دمشقِي.
وقال أبو نُعيمٍ الحافظ: هو أبو حمزَةَ البغدادِي، واسمهُ محمد بن إبراهيم، وذكرهُ الخطيبُ في تاريخهِ، وذكرَ لهُ هذهِ الحكايَة.
وأَيُّهُم كانَ فإنه مخُطِئ في فعلهِ، مخالفٌ للشرعِ بِسُكُوتِه، مُعينٌ بصَمتِهِ على نفسِهِ، وقد كان يجب عليهِ أن يصيحَ ويمنعَ مِن طمِّ البئرِ، كما يجب عليه أن يدفعَ عن نفسِهِ من يقصِدُ قتلَهُ.
وقوله:"لا أستغيثُ" كقولِ القائل: لا آكلُ الطَّعام ولا أشرَبُ الماء، وهذا جَهْلٌ مِن فاعلِهِ، ومخالَفَةٌ للحِكمةِ في موضوع الدُّنيا، فإنَّ الله تعالى وضعَ الأشياءَ على الحِكمةِ، فجعلَ للآدمِيِّ يدًا يَدفعُ بها، ولسانًا ينطِق بهِ، وعقلًا يهدِيهِ إلى دفعِ المضار واجتلابِ المصالِح، وجعل الأغذِيةَ والأدوِيةَ لمصلَحة الآدميِّين، فمن أعرضَ عن استعمال ما خُلقَ له وأُرشدَ إليه فقد رفضَ أمرَ الشرعِ وعطَّل حِكمةَ الصانع.
فإن قال جاهلٌ: فكيفَ أحترِزُ من القَدر؟
قلنا: وكيفَ لا يُحتَرَزُ مع الأمرِ المقدِّرِ وقَد قال الله تعالَى: ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ [النساء: ٧١]؟! وقد اختفَى رسولُ اللهِ ﷺ في الغار، وقالَ لِسُراقةَ: أخفِ عنا، واستأجَر دليلًا إلى المدينة، ولم يقُل أخرُجُ على التوكُّل، وما زال ببدنِهِ مع الأسبابِ وبِقَلْبِهِ مع المُسَبِّب، وقد أجْمَلنا هذا الأصلَ فيما تقدَّم (١).