للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اعتقَدتُ التوكُّلَ؛ لئلَّا يكونَ شبْعِي زادًا تزوَّدتُهُ (١).

قال المصنِّفُ : قلت: وقد سبقَ الكلامُ على مثلِ هذا، وأنَّ هؤلاءِ القومَ ظنُّوا أنَّ التوكُّلَ تركُ الأسباب، ولو كانَ هكذا كان رسولُ اللهِ حينَ تزوَّدَ لمَّا خرجَ إلى الغارِ قد خرَجَ من التوكُّلِ (٢)، وكذلك مُوسَى لمَّا خَرجَ لِطلَبِ الخِضرِ، فتزوَّدَ حُوتًا (٣)، وأهلُ الكَهفِ حينَ خرجُوا فاستَصْحَبوا درَاهِم. وإنما خفِي معنَى التوكلِ على هؤلاءِ فجهلوهُ!

وقد اعتذرَ لهُم أبو حامدٍ، فقال: يجوزُ دخولُ المَفَازَةِ بِغيرِ زادٍ، بِشَرطَين:

أحدههما: أن يكونَ الإنسانُ قد راضَ نفسَهُ، بِحيثُ يُمكِنُهُ الصَّبرُ عن الطَّعامِ أسبُوعًا ونحوه.

والثاني: أن يُمكِنَهُ التقوُّتُ بالحَشِيشِ، ولا تَخْلُوا البادِيةُ من أن يلقَاهُ آدمِيٌّ بعدَ أسبوعٍ أو ينتهِي إلى حُلَّةٍ أو حَشيشٍ يُزجِي بِهِ وقتَه (٤).

قال المصنِّفُ : قلت: أقبحُ ما في هذا القولِ أنهُ صدرَ مِن فَقِيهٍ! فإنهُ قد لا يَلقَى أحَدًا، وقد يَضِلُّ، وقد يَمرَضُ فلا يَصلُحُ لهُ الحشِيشُ، ويتعرَّض لمَن لا يُضَيِّفُهُ، وتفوتُهُ الجماعَةُ قَطعًا، وقد يموتُ فلا يليه أحدٌ.

ثم قد ذكرنا مَا جاءَ في الوحدَةِ وما المُحْوِجُ إلى هِذ المِحَن أنْ يعتَمِدَ فِيها عَلى عادةٍ أو لقاءِ شخْصٍ، أو الاجتزاءِ بحشِيشٍ؟! وأيُّ فضيلةٍ في هذهِ الحالةِ حتى يُخَاطِر


(١) أخرجه أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب الفتوة ص ٢٤٧ ضمن مجموع مؤلفاته وأبو بكر الخطيب في تاريخه ١/ ٣٩١ وابن عساكر في تاريخ دمشق ٥١/ ٢٥٦ ومن طريق أخرى أخرجه أبو نعيم في الحلية ١٠/ ٣٢١ - ٣٢٢.
(٢) تقدم تخريجه ص ٦٥٠.
(٣) كما حكاه الله جل وعلا عنه في سورة الكهف الآيات: ٥٩ - ٦٤.
(٤) انظر: الإحياء ٤/ ٢٦٦. وفيه: يجتزئ به فيحيا مجاهدًا نفسه.

<<  <   >  >>