(٢) وقال شيخ الإسلام: وكان فيهم - يعني: الصوفية - طوائف يصعقون عند سماع القرآن ولم يكن في الصحابة مَن هذا حاله، فلمّا ظهر ذلك أنكر ذلك طائفة من الصحابة والتابعين: كأسماء بنت أبى بكر وعبد الله بن الزبير ومحمد بن سيرين ونحوهم. والمنكرون لهم مأخذان: منهم من ظن ذلك تكلفًا وتصنعًا يذكر عن محمد بن سيرين أنه قال: ما بيننا وبين هؤلاء الذين يصعقون عند سماع القرآن إلا أن يقرأ على أحدهم وهو على حائط، فإن خر فهو صادق. ومنهم من أنكر ذلك، لأنه رآه بدعة مخالفًا لما عرف من هدي الصحابة كما نقل عن أسماء وابنها عبد الله. والذي عليه جمهور العلماء: أن الواحد من هؤلاء إذا كان مغلوبًا عليه لم ينكر عليه وإن كان حال الثابت أكمل منه ولهذا لما سئل الإمام أحمد عن هذا فقال: قرئ القرآن على يحيى بن سعيد القطان فغشي عليه ولو قدر أحد أن يدفع هذا عن نفسه لدفعه يحيى بن سعيد؛ فما رأيت أعقل منه. وقد نقل عن الشافعي أنه أصابه ذلك وعلي بن الفضيل بن عياض قصته مشهورة، وبالجملة فهذا كثير ممن لا يستراب في صدقه لكن الأحوال التي كانت في الصحابة هي المذكورة في القرآن وهي: وجل القلوب ودموع العين واقشعرار الجلود كما قال تعالى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال: ٢] وقال تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٢٣]. انظر: الفتاوى ١١/ ٧ - ١١ وانظر كذلك الفتاوى الكبرى ٢/ ٤٠٢ والجواب الصحيح ٦/ ٣٧١ وشرح الطحاوية ١/ ٥٧٥ والرد على القائلين بوحدة الوجود ص ٦٢.