للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• وقد احتجَّ لهم أبو طالبٍ المكيُّ على جوازِ السماعِ بمناماتٍ وقسَّم السماع إلى أنواعٍ وهو تقسيمٌ صوفيٌ لا أصلَ له (١).

وقد ذَكَرْنا أن من ادَّعى أنه يسمعُ الغناءَ ولا يُؤثِّرُ عندَه تحريكَ النفسِ إلى الهوى فهو كاذبٌ.

وقد أخبرنا أبو القاسم الحريري عن أبي الطيب الطبري قال: قال بعضهم: إنَّا لا نسمعُ الغناءَ بالطبعِ الذي يشتَرِكُ فيه الخاصُّ والعامُّ. قال: وهذا تجاهل منه عظيم لأمرين:

أحدهما: أنه يلزَم على هذا أن يَستبيحَ العود والطنبور وسائر الملاهي؛ لأنه يسمعُه بالطبع الذي لا يُشَارِكُه فيه أحدٌ من الناس فإن لم يستَبح ذلك فقد نَقَضَ قوله وإن استباحَه فقد فسق.

والثاني: أن هذا المُدَّعي لا يَخْلو من أن يَدَّعي أنه فارق طَبْعَ البشر وصار بمنزلة الملائكة!

فإن قال هذا فقد تحَرَّضَ (٢) على طبعه وعَلِمَ كلُّ عاقل كَذِبَه إذا رَجَعَ إلى نفسه ووجب أن لا يكون مجاهدًا لنفسه ولا مخالفًا لهواهُ ولا يكونَ له ثواب على ترك اللَّذات والشهوات وهذا لا يقوله عاقل.

وإن قال: أنا على طَبْع البشر المَجْبُولِ على الهوى والشهوة. قلنا له: فكيف تسمع الغناء المُطْرِب بغير طبعِكَ، أو تَطْرَبُ لسماعه لغير ما غُرِسَ في نفسك؟! (٣)


(١) انظر: قوت القلوب ٢/ ١٠٩٣.
(٢) الحَرِضُ والحَرَضُ: الفساد في البَدَن وفي المَذْهَب وفي العَقْل. انظر: لسان العرب ٧/ ١٣٤ والقاموس المحيط ص ٨٢٤.
(٣) انظر: كلام الإمام أبي الطيب الطبري: في كتابه السماع ص ٥١ - ٥٢.

<<  <   >  >>