للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

* ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَال إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَال وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَال لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤)

يقول تعالى منبهًا على شرف إبراهيم خليله وأن الله جعله إمامًا للناس يقتدى به في التوحيد [حين] قام بما كلفه الله تعالى به من الأوامر والنواهي؛ ولهذا قال: ﴿وَإِذِ [١] ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾ أي: واذكر يا محمد، لهؤلاء المشركين، وأهل الكتابين الذين ينتحلون ملة إبراهيم، وليسوا عليها، وإنما الذي هو عليها مستقيم، فأنت والذين معك من المؤمنين، اذكر لهؤلاء ابتلاء الله إبراهيم، أي: اختباره له بما كلفه به من الأوامر والنواهي ﴿فَأَتَمَّهُنَّ﴾ أي: قام بهن كلهن، كما قال تعالى: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ أي: وفي جميع ما شرع له؛ فعمل به صلوات الله عليه، وقال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) [شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١) وَآتَينَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢) ثُمَّ أَوْحَينَا إِلَيكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ] [٢]﴾، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [وقال تعالى]: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

وقوله تعالى: ﴿بِكَلِمَاتٍ﴾ أي: بشرائع، وأوامر، ونواهٍ، فإن الكلمات تطلق ويراد بها الكلمات القدرية، كقوله -تعالى- عن مريم : ﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾. وتطلق، ويراد بها الشرعية، كقوله تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ [٣] رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ أي: كلماته الشرعية. وهي إما خبر صدق، وإمّا طلب عدل إن كان أمرًا أو نهيًا، ومن ذلك هذه الآية الكريمة: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾ أي: قام بهنّ. قال: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ أي: جزاء على ما فَعَل، كما قام بالأوامر، وترك الزواجر، جعله الله للناس قدوة، وإمامًا يقتدى به، ويحتذى حذوه.

وقد اختُلِف في تفسير الكلمات التي اختبر الله بها إبراهيم الخليل فروي عن ابن عباس في ذلك روايات: فقال عبد الرزاق (٧٢٧)، عن معمر، عن قتادة، قال ابن عباس: ابتلاه الله بالمناسك. وكذا رواه أبو إسحاق السّبِيعي، عن التميمي، عن ابن عباس.


(٧٢٧) - تفسير ابن جرير ١٩٢٦ - (٣/ ١٣).