يقول تعالى منبهًا على شرف إبراهيم خليله ﵇ وأن الله جعله إمامًا للناس يقتدى به في التوحيد [حين] قام بما كلفه الله تعالى به من الأوامر والنواهي؛ ولهذا قال: ﴿وَإِذِ [١] ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾ أي: واذكر يا محمد، لهؤلاء المشركين، وأهل الكتابين الذين ينتحلون ملة إبراهيم، وليسوا عليها، وإنما الذي هو عليها مستقيم، فأنت والذين معك من المؤمنين، اذكر لهؤلاء ابتلاء الله إبراهيم، أي: اختباره له بما كلفه به من الأوامر والنواهي ﴿فَأَتَمَّهُنَّ﴾ أي: قام بهن كلهن، كما قال تعالى: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ أي: وفي جميع ما شرع له؛ فعمل به صلوات الله عليه، وقال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) [شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١) وَآتَينَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢) ثُمَّ أَوْحَينَا إِلَيكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ] [٢]﴾، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [وقال تعالى]: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
وقوله تعالى: ﴿بِكَلِمَاتٍ﴾ أي: بشرائع، وأوامر، ونواهٍ، فإن الكلمات تطلق ويراد بها الكلمات القدرية، كقوله -تعالى- عن مريم ﵍: ﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾. وتطلق، ويراد بها الشرعية، كقوله تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ [٣] رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ أي: كلماته الشرعية. وهي إما خبر صدق، وإمّا طلب عدل إن كان أمرًا أو نهيًا، ومن ذلك هذه الآية الكريمة: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾ أي: قام بهنّ. قال: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ أي: جزاء على ما فَعَل، كما قام بالأوامر، وترك الزواجر، جعله الله للناس قدوة، وإمامًا يقتدى به، ويحتذى حذوه.
وقد اختُلِف في تفسير الكلمات التي اختبر الله بها إبراهيم الخليل ﵇ فروي عن ابن عباس في ذلك روايات: فقال عبد الرزاق (٧٢٧)، عن معمر، عن قتادة، قال ابن عباس: ابتلاه الله بالمناسك. وكذا رواه أبو إسحاق السّبِيعي، عن التميمي، عن ابن عباس.