للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن أبي البختري الطائي، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله ؛ أنه قال لما نزلت هذه السورة: ﴿إذا جاء نصر الله والفتح﴾، قرأها رسول الله حتى ختمها، فقال: "الناس حيز، وأنا وأصحابي حيز". وقال: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية". فقال له مروان [١]: كذبت -وعنده رافع بن خديج، وزيد بن ثابت، قاعدان معه على السرير- فقال أبو سعيد: لو شاء هذان لحدثاك، ولكن هذا يخاف أن تنزعه عن عرافة [٢] قومه، وهذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة. فرفع مروان عليه الدرة ليضربه، فلما رأيا ذلك قال: صدق.

تفرد به أحمد، في هذا الذي أنكره مروان على أبي سعيد ليس بمنكر، فقد ثبت من رواية ابن عباس؛ أن رسول الله قال يوم الفتح: "لا هجرة، ولكن جهاد ونية، ولكن إذا استنفرتم فانفروا". أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما (١٤).

فالذي فسر به بعض الصحابة من جلساء عمر أجمعين- من أنه قد أمرنا إذا فتح الله علينا المدائن والحصون أن نحمد الله ونشكره ونسبحه، يعني نصلي له ونستغفره معنى مليح صحيح، وقد ثبت له شاهد من صلاة النبي يوم فتح مكة وقت الضحى ثماني ركعات، فقال قائلون: هي صلاة الضحى. وأجيبوا بأنه لم يكن يواظب عليها، فكيف صلاها ذلك اليوم وقد كان مسافرًا لم ينو الإقامة بمكة؟ ولهذا أقام فيها إلى آخر شهر رمضان قريبًا من [تسعة عشر] [٣] يومًا يقصر الصلاة ويفطر هو وجميع الجيش، وكانوا نحوًا من عشرة آلاف. قال هؤلاء: وإنما كانت صلاة الفتح، قالوا: فيستحب لأمير الجيش إذا فتح بلدًا أن يصلي فيه أول ما يدخله ثماني ركعات. وهكذا فعل سعد بن أبي وقاص يوم فتح المدائن، ثم قال بعضهم: يصليها كلها بتسليمة واحدة. والصحيح أنه مسلم من كل ركعتين، كما ورد في سنن أبي داود (١٥)، أن رسول الله كان مسلم يوم الفتح من كل ركعتين. وأما ما فسر به ابن عباس وعمر [] [٤] أن هذه السورة نعي فيها إلى رسول الله نفسه الكريمة، واعلم أنك إذا فتحت مكة -وهي: قريتك التي أخرجتك- ودخل الناس في دين الله أفواجًا، فقد فرغ شغلنا [٥] بك [٦] في الدنيا، فتهيأ للقدوم علينا والوفود إلينا، فالآخرة خير لك من الدنيا، ولسوف يعطيك ربك فترضى؛ ولهذا قال: ﴿فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا﴾.


(١٤) تقدم تخريجه في آل عمران (٩٧).
(١٥) سنن أبي داود في كتاب: الصلاة، باب: صلاة الضحى حديث (١٢٩٠) (٢/ ٢٨) من حديث أم هانئ وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (٢٨١).