للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن جرير (٧٠٦): و ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ مبدعهما [١]، وإنما هو مُفْعِل فصرف إلى فَعيل، كما صُرف المؤلم إلى الأليم [٢]، والمُسمع إلى السميع. ومعنى المبدع [٣]: المنشئ والمحدث ما لا يسبقه إلى إنشاء مثله وإحداثه أحد. قال: ولذلك سُمي المبتدع في الدين مبتدعًا؛ لإحداثه فيه ما لم يسبقه [٤] إليه غيره، وكذلك كل محدث فعلًا أو قولًا [٥] لم يتقدّمه [٦] فيه متقدّم، فإن العرب تسميه مبتدعًا. ومن ذلك قول أعشى ثعلبة في مدح هوذة بن علي الحنَفي:

يرعى [٧] إلى قول سادات الرجال إذا … أبدَوا له الحزْمَ أو ما شاءهُ ابَتَدعا

أي: يحدث ما شاء.

قال ابن جرير (٧٠٧): فمعنى الكلام؛ سبحان الله أن [٨] يكون له [٩] ولد، وهو مالك ما في السموات والأرض، تشهد [١٠] له جميعها بدلالتها عليه بالوحدانية، وتقرّ له بالطاعة، وهو بارئها وخالقها وموجدها من غير أصل، ولا مثال احتذاها عليه. وهذا إعلام من الله لعباده أن ممن يشهد له بذلك المسيح، الذي أضافوا إلى الله بُنُوَته، وإخبار منه لهم أن الذي ابتدع السموات، والأرض من غير أصل وعلى غير مثال، هو الذي ابتدع المسيح عيسى [١١] من غير والد بقدرته.

وهذا من ابن جرير كلام جيد وعبارة صحيحة.

وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. يبين بذلك تعالى كمال قدرته، وعظيم سلطانه، وأنه إذا قدّر أمرًا وأراد كونه، فإنما يقول له: كن، أي: مرة واحدة، فيكون، أي: فيوجد على وفق ما أراد، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا [١٢] قَوْلُنَا لِشَيءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. وقال تعالى: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾ وقال الشاعر:


(٧٠٦) - تفسير ابن جرير (٢/ ٥٤٠).
(٧٠٧) - تفسير ابن جرير (٢/ ٤٥١).