فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (٢٧) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (٢٨) وَزَيتُونًا وَنَخْلًا (٢٩) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (٣٠) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٢)﴾
يقول تعالى ذامًّا لمن أنكر البعث والنشور من بني آدم: ﴿قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ﴾. قال الضحاك، عن ابن عباس: ﴿قُتِلَ الْإِنْسَانُ﴾: لعن الإنسان. وكَذا قال أبو مالك. وهذا لجنس الإنسان المكذب؛ لكثرة تكذيبه بلا مستند، بل بمجرد الاستبعاد وعدم العلم.
قال ابن جرير: ﴿مَا أَكْفَرَهُ﴾: ما أشد كفره! وقال ابن جرير: ويحتمل أن يكون المراد أي شيء جعله كافرًا؟ أي: ما حمله على التكذيب بالمعاد.
وقال قتادة -وقد حكاه البغوي عن مقاتل والكلبي-: ﴿مَا أَكْفَرَهُ﴾ ما لعنه.
ثم بين تعالى له كيف خَلَقَه الله من الشيء الحقير، وأنه قادر على إعادته كما بدأه، فقال: ﴿مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ﴾، أي: قدر أجله ورزقه وعمله وشقي أو سعيد. ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ قال العوفي، عن ابن عباس: ثم كسر عليه خروجه من بطن أمه. وكذا قال عكرمة، والضحاك، وأبو صالح، وقتادة، والسدي، واختاره ابن جرير.
وقال مجاهد: هذه كقوله: ﴿إِنَّا هَدَينَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾. أي: بيّنا له ووضَّحناه وسَهلنا عليه علمه، وهكذا قال الحسن، وابن زيد. وهذا هو الأرجح، والله أعلم.
وقوله: ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ﴾ أي: إنه بعد خلقه له ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ﴾ أي: جعله ذا قبر. والعرب تقول: "قبرتُ الرجل": إذا ولّى ذلك منه، وأقبره الله. "وعَضَبتُ [١] قرن الثور، وأعضبه [٢] الله، وبترت ذنب البعير وأبتره الله: وطردت عني فلانًا، وأطرده الله. أي: جعله طريدًا، قال الأعشى:
لو أسْنَدتَ مَيتًا إلى نحرها [٣] … عَاش ولَم يُنقَل إلى قابر
وقوله: ﴿ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ﴾، أي: بعثه بعد موته، ومنه يقال: البعث والنشور، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾.
﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا﴾.
وقال ابن أبي حاتم (٩): حدثنا أبي، حدثنا أصبغُ بن الفَرج، أخبرنا ابن وهب، أخبرني
(٩) في رواية دراج عن أبي السمح ضعف لكن يشهد لبعضه ما بعده.