نزل، أكرمه رسول الله ﷺ وكلمه، وقال له النبي ﷺ"ما حاجتك؟ هل تريد في شيء؟ " وإذا ذهب من عنده قال: "هل لك حاجة في شيء؟ ". وذلك لما أنزل الله تعالى ﴿أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَمَا عَلَيكَ أَلَّا يَزَّكَّى﴾ فيه غرابة ونكارة، وقد تكلم في إسناده.
وقال ابن أبي حاتم (٦): حدثنا أحمد بن منصور الرّمادي، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، حدثني يونس، عن ابن شهاب؛ قال: قال سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر: سمعت رسول الله ﷺ؛ يقول:"إن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم". وهو الأعمى الذي أنزل الله فيه: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى﴾، وكان يؤذن مع بلال. قال سالم: وكان رجلًا ضرير البصر، فلم يك يؤذن حتى يقول له الناس -حين ينظرون إلى بزوغ [١] الفجر-: أذن.
وهكذا ذكر عروة بن الزبير، ومجاهد، وأبو مالك، وقتادة، والضحاك، وابن زيد، وغير واحد من السلف والخلف؛ أنها نزلت في ابن أم مكتوم. والمشهور أن اسمه عبد الله، ويقال: عمرو، والله أعلم.
وقوله: ﴿كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ﴾، أي: هذه السورة، أو الوصية بالمساواة بين الناس في إبلاغ العلم من شريفهم ووضيعهم.
وقال قتادة والسدي: ﴿كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ﴾؛ يعني القرآن. ﴿فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ﴾، أي: فمن شاء ذكر الله في جميع أموره. ويحتمل عود الضمير على الوحي؛ لدلالة الكلام عليه.
وقوله: ﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ﴾، [أي: هذه السورة أو العظة، وكلاهما متلازم، بل جميع القرآن ﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ﴾][٢]، أي: معظمة موقرة. ﴿مَرْفُوعَةٍ﴾، أي: عالية القدر، ﴿مُطَهَّرَةٍ﴾ أي: من الدنس والزيادة والنقص.
وقوله: ﴿بِأَيدِي سَفَرَةٍ﴾ قال ابن عباس ومجاهد، والضحاك وابن [٣] زيد: هي الملائكة.
وقال وهب بن منبه: هم أصحاب محمد ﷺ. وقال قتادة: هم القراء.
(٦) وأصله في الصحيحين دون ذكر أنه هو الذي أنزل الله فيه: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى﴾. أخرجه البخاري في كتاب: الأذان، باب: أذان الأعمى إذا كان له من خبره، حديث (٦١٧) (٢/ ٩٩). وأطرافه في [٦٢٠، ٦٢٣، ١٩١٨، ٢٦٥٦، ٧٢٤٨]. ومسلم في كتاب: الصيام، باب: بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر. حديث (٣٦، ٣٧/ ١٠٩٢) (٧/ ٢٨٤ - ٢٨٥). كلاهما من طريق ابن شهاب بهذا الإسناد وقد ورد الحديث عن عدة من الصحابة، راجع الإرواء (٢١٩).