للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله. فلما سمع بذلك النفرُ من قريش ائتمروا فقالوا: والله لئن صبا الوليد لتصْبُوَنَّ قريش. فلما سمع بذلك أبو جهل بن هشام قال: أنا والله أكفيكم شأنه. فانطلق حتى دخل عليه بيته فقال الوليد: ألم تر قومك قد جمعوا لك الصدقة؟ فقال: ألستُ أكثرهم مالًا وولدًا؟! فقال له أبو جهل: يتحدثون أنك إنّما تدخل على ابن أبي قحافة لتصيب من طعامه. فقال الوليد: أقد تحدث به عشيرتي؟! فلا والله لا أقرب ابن أبي قحافة، ولا عمر، ولا ابن أبي كبشة، وما قوله إلا سحر يؤثر. فأنزل الله على رسوله : ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ إلى قوله: ﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ﴾.

وقال قتادة: زعموا أنه قال: والله لقد نظرت فيما قال الرجل فإذا هو ليس بشعر، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنّه ليعلو وما يُعلَى، وما أشك أنه سحر. فأنزل الله: ﴿فَقُتِلَ كَيفَ قَدَّرَ﴾ … الآية … ﴿ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ﴾: قبض ما بين عينيه وكلح.

وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى، أخبرنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عَبّاد [١] ابن منصور، عن عكرمة أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له. فبلغ ذلك أيا جهل بن هشام، فأتاه فقال: أي عم، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالًا. قال: لِمَ؟ قال: يعطونكه، فإنك أتيت محمدًا تتعرض لما قبله. قال: قد علمت قريش أني أكثرها مالًا. قال: فقل فيه قولًا يعلم قومك أنك منكر لما قال، وأنك كاره له. قال: فماذا أقول فيه؟ فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئًا من ذلك، والله إن لقوله الذي يقول لحلاوة، وإنه ليحطم [٢] ما تحته، وإنّه ليعلو وما يُعْلَى. قال: والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه. قال: فدعني حتى أفكر فيه. فلما فكر قال: هذا سحر يأثُره عن غيره. فنزلت: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ [] [٣] حتى بلغ: ﴿تِسْعَةَ عَشَرَ﴾.

وقد ذكر محمد بن إسحاق وغير واحد نحوًا من هذا. وقد زعم السدي أنهم لما اجتمعوا في دار الندوة ليجمعوا رأيهم على قول يقولونه فيه، قبل أن يقدم عليهم وفودُ العرب للحج ليصدّوهم عنه، فقال قائلون: شاعر. وقال آخرون: ساحر. وقال آخرون: كاهن. وقال آخرون: مجنون. كما قال تعالى: ﴿انْظُرْ كَيفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَال فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾، كل هذا والوليد يفكر فيما يقوله فيه، ففكر وقدر، ونظر وعبس وبسر، فقال: ﴿إِنْ هَذَا إلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هَذَا إلا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾، قال الله ﷿: ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾، أي: سأغمره فيها من جميع جهاته، ثم قال: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ﴾ وهذا


[١]- في ز: عبادة.
[٢]- في ز: أعظم.
[٣]- في ت: قال قتادة: خرج من بطن أمه وحيدًا.