للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿قَال نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إلا خَسَارًا (٢١) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (٢٢) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (٢٣) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إلا ضَلَالًا (٢٤)

يقول تعالى مخبرًا عن نوح : إنه أنهى إليه -وهو العليم الذي لا يعزب عنه شيء- أنه مع البيان المتقدم ذكوه، والدعوة المتنوعة المشتملة على الترغيب تارة والترهيب أخرى: أنهم عصوه وكذبوه وخالفوه، واتبعوا أبناء الدنيا ممن غَفَل عن أمر الله، ومتع بمال وأولاد، وهي في نفس الأمر استدراج وإنظار لا إكرام؛ ولهذا قال: ﴿وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا﴾، قُريء: ﴿ووُلْده﴾ بالضم وبالفتح، وكلاهما متقارب.

وقوله: ﴿ومكروا مكرًا كبارًا﴾، قال مجاهد: ﴿كبارًا﴾، أي: عظيمًا. وقال ابن زيد: ﴿كبارًا﴾، أي: كبيرًا. والعرب تقول: أمر عجيب وعُجَاب وعجّاب، ورجل حُسَان وحسَّان، وجُمَال وجُمَّال، بالتخفيف والتشديد، بمعنى واحد. والمعنى في قوله: ﴿ومكروا مكرا كبارا﴾، أي: بأتباعهم في تسويلهم لهم أنهم على الحق والهدى، كما يقولون لهم يوم القيامة: ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا﴾، ولهذا قال هاهنا: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (٢٢) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾، وهذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله.

قال البخاري (٣): حدثنا إبراهيم، حدثنا هشام، عن ابن جريج، و [١] قال عطاء، عن ابن عباس: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد: أما وَدّ فكانت لكلب بدَومة الجندل؛ وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غُطَف بالجُرُف [٢] عند سبأ، وأما يَعوقُ فكانت لهَمْدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي كَلاع، وهي [٣] أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا


(٣) أخرجه البخاري في كتاب: التفسير، باب: ﴿ودًّا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرًا﴾، حديث (٤٩٢٠) (٨/ ٦٦٧).