للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سمعت أنس بن مالك؛ يقول: قيل: يا رسول اللَّه؛ كيف حشر الناس على وجوههم؟ فقال: "أليس [١] الذي أمشاهم على أرجلهم قادرًا [٢] على أن يمشيهم على وجوههم؟! ".

وهذا الحديث مخرج في الصحيحين (١٤) من طريق [يونس بن محمد، عن شيبان، عن قتادة، عن أنس، به نحوه] [٣].

وقوله: ﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ﴾، أي: ابتَدأ خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئًا مذكورًا، ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ﴾، أي: العقول والإِدراك، ﴿قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ أي: ما أقلَّ ما تستعملون هذه القوى اقى أنعم اللَّه بها عليكم، في طاعته وامتثال أوامره، وترك زواجره.

﴿قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾، أي [٤]: بثكم ونشركم في أقطار الأرض وأرجائها، مع اختلاف ألسنتكم في لغاتكم وألوانكم، و [٥] حلاكم وأشكالكم وصوركم، ﴿وَإِلَيهِ تُحْشَرُونَ﴾، أي: تجمعُون بعد هذا التفرق والشتات، يجمعكم كما فرقكم، ويعيدكم كما بدأكم.

ثم قال مخبرًا عن الكفار المنكرين المعاد المستبعدين وقوعه: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾، أي: متى هذا الذي تخبرنا بكونه من [٦] الاجتماع بعد هذا التفرق؟ ﴿قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ﴾، أي: لا يعلم وقت ذلك على التعيين إلا اللَّه ﷿ لكنه أمرني أن أخبركم أن هذا كائن ووقع لا محالة فاحذروه، ﴿وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾: وإنما على البلاغ، وقد أديته إليكم.

قال اللَّه تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، أي: لما قامت القيامة وشاهدها الكفار، ورأوا أن الأمر كان قريبًا؛ لأن كل ما هو آت آت وإن طال زمنه [٧]، فلما وقع ما كذبوا به ساءهم ذلك، لما يعلمون ما لهم هناك من الشر، أي: فأحاط بهم ذلك، وجاءهم من أمر اللَّه ما لم يكن لهم في بال ولا حساب، ﴿[وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا


(١٤) صحيح البخاري في كتاب: التفسير، باب: ﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ﴾، حديث (٤٧٦٠) (٨/ ٤٧٦٠). وطرفه في [٦٥٢٣]. ومسلم في كتاب: صفات المنافقين، باب: يحشر الكافر على وجهه، حديث (٥٤/ ٢٨٦) (١٧/ ٢١٧).