للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿وَأْتَمِرُوا بَينَكُمْ بِمَعْرُوفٍ﴾، أي: ولتكن أموركم فيما بينكم بالمعروف، من غير إضرار ولا مضارة [١] كما قال في سورة البقرة: ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾.

وقوله: ﴿وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾، أي: وإن اختلف الرجل والمرأة، فطلبت المرأة في أجرة الرضاع كثيرًا ولم يجبها الرجل إلى ذلك، أو بذل الرجل قليلًا ولم توافقه عليه فليسترضع [٢] له غيرَها. فلو رَضيت الأم بما استؤجرت عليه الأجنبية فهي أحق بولدها.

وقوله: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾، أي: لينفق علي المولود والده، أو وليه، بحسب قدرته: ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا مَا آتَاهَا﴾، كقوله: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا﴾.

قال [٣] ابن جرير (٣٣): حدثنا ابن حميد، حدثنا حكام، عن أبي سنان؛ قال: سأل عمر بن الخطاب عن أبي [٤] عبيدة، فقيل: إنه يلبس الغليظ من الثياب، ويأكل أخشن المام. فبعث إليه بألف دينار، وقال للرسول: انظر ما يصنع بها إذا هو أخذها: فما لبث أن لبس اللين من الثياب، وأكل أطيب الطعام، فجاء الرسول فأخبره، فقال: ، تأول هذه الآية: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾.

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني (٣٤) في معجمه الكبير: حدثنا هاشم بن مرثد الطبراني، حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش، أخبرني أبي أخبرني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن [٥] أبي مالك الأشعري -واسمه الحارث- قال: قال رسول الله : "ثلاثة نفر، كان لأحدهم عشرة دنانير، فتصدق منها بدينار. وكان لآخر عشر أواق، فتصدق منها بأوقية [٦]. وكان لآخر مائة أوقية، فتصدق منها بعشر أواق". فقال رسول الله : "هم في الأجر [٧] سواء كلٌّ تصدق بعشر ماله، قال الله تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾ هذا حديث غريب من هذا الوجه.


(٣٣) تفسير الطبري (٢٨/ ١٤٩).
(٣٤) المعجم الكبير (٣/ ٣٣١) (٣٤٣٩). قال الهيثمي في "المجمع" (٣/ ١١٤)، وفيه محمد بن إسماعيل بن عياش وفيه ضعف.