للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يلتهي به عن العمل الصالح، كقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ ولهذا قال هاهنا: ﴿فَاحْذَرُوهُمْ﴾. قال ابن زيد: يعني على دينكم.

وقال مجاهد: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ﴾، قال: يحملُ [١] الرجل على قطيعة الرحم أو معصية ربه، فلا يستطيع الرجل مع حبه إلا أن يطيعه.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا محمد بن خلف العسقلاني [٢] حدثنا الفريابي، حدثنا إسرائيل، حدثنا سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس -وسأله رجل عن هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾ - قال: فهؤلاء رجال أسلموا من مكة، فأرادوا أن يأتوا رسول الله فأبى أزواجهم وأولادهم أن يَدَعوهم، فلما أتوا رسول الله رأوا الناس قد فقهوا في الدين، فَهَموا أن يعاقبوهم، فأنزل الله هذه الآية: ﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

وكذا رواه الترمذي (٤) عن محمد بن يحيى عن الفريابي -وهو محمد بن يوسف- به، وقال: "حسن صحيح" ورواه إلى جرير والطبراني، من حديث إسرائيل، به، ورُوي من طريق العوفي، عن ابن عباس، نحوه، وهكذا قال عكرمة مولاه سواء.

وقوله: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾، يقول تعالى: إنما الأموال والأولاد فتنة، أي اختبار وابتلاء من الله لخلقه. ليعلم من يطيعه ممن يعصيه.

وقوله: ﴿وَاللَّهُ عِنْدَهُ﴾، أي: يوم القيامة ﴿أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾، كما قال: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾ … الآية.

وقال الإِمام أحمد (٥): حدثنا زيد بن الحباب، حدثني حُسين بن واقد، حدثني عبد الله بن بُرَيدة، سمعت أبي -بريدة يقول: كان رسول الله يخطب، فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه، ثم قال: "صدق الله ورسوله: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما".


(٤) - أخرجه الترمذي في كتاب "تفسير القرآن"، باب: "ومن سورة التغابن"، حديث (٣٣١٤) (٩/ ٥٥). والطبري (٢٨/ ١٢٤). والطبراني (١١/ ٢٧٥ - ٢٧٦) (١١٧٢٠).
(٥) - المسند (٥/ ٣٥٤) (٢٣١٠١). وأبو داود في كتاب: "الصلاة"، باب: "الإمام يقطع الخطبة=