للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الفتنة: فهي المحنة، والاختبار، ومنه قول الشاعر:

وقد فُتِن النَّاسُ في دينهم … وخلَّى ابنُ عفان شرًّا طويلا

وكذلك [١] قوله تعالى، إخبارًا عن موسى حيث قال: ﴿إِنْ هِيَ إلا فِتْنَتُكَ﴾ أي: ابتلاؤك، واختبارك، وامتحانك ﴿تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ﴾ الآية [٢].

وقد استدل بعضهم بهذه الآية على تكفير من تعلم السحر، ويُستَشْهَدُ له بالحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار (٦١٥)، حدَّثنا محمد بن المثنى، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام، عن عبد الله قال: "من أتى كاهنًا، أو ساحرًا فصدّقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد ". وهذا إسناد جيد، وله شواهد أخر.

وقوله تعالى: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَينَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾. أي: فيتعلم الناس من هاروت وماروت من علم السحر ما يتصرفون به فيما يتصرفون فيه من الأفاعيل المذمومة، ما إنهم ليفرّقون به بين الزوجين مع ما بينهما من الخلطة والائتلاف.

وهذا من صنيع الشياطين، كما رواه مسلم في صحيحه (٦١٦)، من حديث الأعمش، عن أبي سفيان طلحة بن نافع، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي، ، قال: "إن الشيطان ليضع [٣] عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه في الناس، فأقربهم [٤] عنده منزلةً أعظمهم عنده فتنة، يجيء أحدهم فيقول: ما زلت بفلان حتى تركتُه وهو يقول كذا وكذا. فيقول إبليس: لا والله ما صنعت شيئًا، ويجيء أحدهم فيقول: ما تركتُه حتى فرّقت بينه، وبين أهله قال: فَيُقَرِّبُه ويدنيه، ويلتزمه، ويقول: نعم أنت".

وسبب التفريق بين الزوجين بالسحر، ما يخيل إلى الرجل، أو المرأة من الآخر من سوء منظر، أو خلق، أو نحو ذلك، أو عقد، أو بغضة، أو نحو ذلك من الأسباب المقتضية للفرقة، والمرء عبارة عن الرجل، وتأنيثه امرأة، ويثنَّى كل منهما ولا يجمعان، والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾. قال سفيان الثوري: إلا بقضاء الله. وقال محمد بن إسحاق: إلا بتخلية الله بينه وبين ما أراد. وقال الحسن البصري: ﴿وَمَا


(٦١٥) -
(٦١٦) - صحيح مسلم في صفات المنافقين وأحكامهم برقم (٢٨١٣).