للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ﴾ قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾، أي: لكاذبون فيما وعدوهم به إما أنهم قالوا لهم قولًا ومن نيتهم أن لا يفوا لهم به، وإما أنهم لا يقع منهم الذي قالوه. ولهذا قال: ﴿وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ﴾، أي: لا يقاتلون معهم، ﴿وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ﴾ أي: قاتلوا معهم ﴿لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ﴾، وهذه بشارة مستقلة بنفسها.

ثم قال تعالى: ﴿لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ﴾، أي: يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله، كقوله: ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً﴾؛ ولهذا قال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾.

ثم قال: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إلا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ [١]﴾، يعني أنهم من جُبنهم وهَلَعهم لا يقدرون على مواجهة جيش الإِسلام بالمبارزة والمقابلة، بل إما في حصون أو من وراء جدار [٢] محاصرين، فيقاتلون للدفع عنهم ضرورة.

ثم قال: ﴿بَأْسُهُمْ بَينَهُمْ شَدِيدٌ﴾ أي: عداوتهم بينهم شديدة، كما قال: ﴿وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾؛ ولهذا قال: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾ أي: تراهم مجتمعين فتحسبهم مؤتلفين، وهم مختلفون غاية الاختلاف [٣].

قال إبراهيم النخعي: يعني: أهل الكتاب والمنافقين: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾.

ثم قال: ﴿كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَال أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، قال مجاهد، والسدي، ومقاتل بن حيان: كمثل ما أصاب كفار قريش يوم بدر وقال ابن عباس: ﴿كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾، يعني: يهود بني قينقاع. وكذا قال قتادة، ومحمد بن إسحاق.

وهذا القول أشبه بالصواب، فإن يهود بني قينقاع كان رسول الله قد أجلاهم قبل هذا.

وقوله: ﴿كَمَثَلِ الشَّيطَانِ إِذْ قَال لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَال إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ﴾ يعني: مثل هؤلاء اليهود في اغترارهم [بالذين وعدوهم] [٤] النصر من المنافقين، وقول المنافقين لهم: ﴿وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ﴾، ثم لما حقت الحقائق وجَدّ بهم الحصار والقتال، تخلوا [٥] عنهم وأسلموهم للهلكة، مثالهم في هذا كمثل الشيطان إذ سول


[١]- في ز، خ: "جدار". وهي قراءة عبد الله بن كثير، وأبي عمرو.
[٢]- في ت: "جدر".
[٣]- في ز، خ: "الائتلاف".
[٤]- ما بين المعكوفتين في ز، خ: "بالدين ووعدهم".
[٥]- في ز: "تخلفوا".