للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين، لكن رواه عقيل وغيره عن الزهري، عن رجل، عن أنس (٤٠)، فالله أعلم.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (٤١) في قوله: ﴿وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا﴾. يعني مما أوتوا: المهاجرون. قال: وتكلم في أموال بني النضير بعض من تكلم في الأنصار، فعاتبهم الله في ذلك، فقال: (﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيهِ مِنْ خَيلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ﴾. قال: وقال رسول الله: "إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد، وخرجوا إليكم". فقالوا: أموالنا بيننا قطائع. فقال رسول الله : "أو غير ذلك؟ ". قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: "هم قوم لا يعرفون العمل، فتكفونهم وتقاسمونهم الثمر". فقالوا: نعم يا رسول الله.

وقوله: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾، يعني: حاجة، أي: يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم، ويبدءون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك.

وقد ثبت في الصحيح (٤٢) عن رسول الله أنه قال: "أفضل الصدقة جهد المقل". وهذا المقام أعلى من حال الذين وَصَفَ الله بقوله: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ﴾. وقوله: ﴿وَآتَى الْمَال عَلَى حُبِّهِ﴾ فإن هؤلاء يتصدقون وهم يحبون ما تصدقوا به، وقد لا يكون لهم حاجة إليه ولا ضرورة به، وهؤلاء آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم وحاجتهم إلى ما أنفقوه. ومن هذا المقام تصدق الصديق لجميع ماله، فقال له رسول الله : "ما أبقيت لأهلك؟ " فقال: أبقيت لهم الله ورسوله. وهذا الماء الذي عُرض على عكرمة وأصحابه يوم اليرموك، فكل منهم يأمر بدفعه إلى صاحبه، وهو جريح مثقل أحوج ما يكون إلى الماء، فرده الآخر إلى الثالث، فما وصل إلى الثالث حتى ماتوا عن آخرهم ولم يشربه أحد منهم، وأرضاهم.


= حديث (١٠٦٩٩) (٦/ ٢١٥ - ٢١٦).
(٤٠) - أورده المصنف في "البداية والنهاية" (٨/ ٨٠ - ٨١) وعزاه إلى أبي يعلى من طريق حرملة عن ابن وهب عن حيوة عن عقيل عن ابن شهاب قال: حدثني من لا أتهم عن أنس بن مالك فذكر نحوه، وفيه راوٍ لم يسم لكن يشهد له ما قبله.
(٤١) - أخرجه الطبري (٢٨/ ٤١ - ٤٢).
(٤٢) - أخرجه أحمد (٣/ ٤١١ - ٤١٢)، وأبو داود في كتاب: الصلاة، حديث (١٤٤٩) (٢/ ٦٩). والنسائي (٥/ ٥٨) كتاب: الزكاة، باب: جهد المقل، والدارمي في كتاب: الصلاة، باب: أي الصلاة أفضل، حديث (١٤٣١) (١/ ٢٧١ - ٢٧٢) كلهم من حديث عبد الله بن جحش.
وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (١٢٨٦). والحديث أخرجه أحمد (٢/ ٣٥٨)، وأبو داود (١٦٧٧) (٢/ ١٢٩) كلاهما من حديث أبي هريرة وصححه الألباني في صحيح أبو داود (١٤٧١).