للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحدثنا أبي، حدثنا عبد العزيز بن المغيرة المنقري، حدثنا أبو هلال، عن محمد بن سيرين أنه قال في هذه الآية: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ﴾، قال: كانوا يقولون أو يرجون أن يكونوا كلهم من هذه الأمة. فهذا قول الحسن وابن سيرين أن الجميع من هذه الأمة. ولا شك أن أول كل أمة خير من آخرها، فيحتمل أن يعم الأمر جميع الأمم كل أمة بحسبها، ولهذا ثبت في الصحاح وغيرها من غير وجه أن رسول الله قال: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" [الحديث بتمامه (١٥).

أما الحديث الذي رواه الإمام أحمد] [١] حدثنا عبد الرحمن، حدثنا زياد أبو عمر، عن الحسن، عن محمار بن ياسر قال: قال رسول الله : "مثل أمتي مثل المطر، لا يدرى أوله خير أم آخره" (١٦). فهذا الحديثُ - بعد [٢] الحكم بصحة إسناده - محمول على أن الدين كما هو محتاج إلى أول الأمة في إبلاغه إلى من بعدهم، كذلك هو محتاج إلى القائمين به في أواخرها، وتثبيت الناس على السنة وروايتها وإظهارها، والفضل للمتقدم [٣]، وكذلك الزرع الذي يحتاج إلى المطر الأول وإلى المطر الثاني، ولكن العمدة الكبرى على الأول، واحتياج الزرع إليه آكد، فإنه لولاه ما نبت في الأرض [ولا تعلق] [٤] أساسه فيها، ولهذا قال : "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى قيام الساعة" - وفي لفظ: "حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" (١٧).

والغرض أن هذه الأمة أشرف من سائر الأمم، والمقربون فيها أكثر من غيرها وأعلى منزلة، لشرف دينها وعظَم نبيها، ولهذا ثبت بالتواتر عن رسول الله أنه أخبر أن في هذه الأمة سبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب، وفي لفظ: "مع


(١٥) - أخرجه البخاري في كتاب: فضائل أصحاب النبي ، باب: (١)، حديث (٣٦٥١).
ومسلم في كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضل الصحابة، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، حديث (٢٥٣٣) (١٦/ ١٢٧ وما بعدها). كلاهما من حديث عبد الله بن مسعود بنحو هذا اللفظ.
(١٦) - أخرجه أحمد (٤/ ٣١٩) (١٨٩٣٤) والحسن يدلس ويرسل. لكن حسن ابن حجر هذا الحديث بطرقه في فتح الباري (٧/ ٦).
(١٧) - تقدم تخريجه في سورة البقرة آية: (١٢٩). وهو حديث صحيح متفق عليه.