للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المُشَاهَدُ من عظيم قدرته بالحس أعظمُ مما أنكره الجاحدون للبعث، كقوله تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾. وقوله: ﴿[أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ] [١] بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ﴾. وقال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ﴾.

﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) ﴿وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحَابُ الْأَيكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥)

يقول تعالى متهددًا لكفار قريش بما [٢] أحله بأشباههم ونظرائهم وأمثالهم من المكذبين قبله، من النقمات والعذاب الأليم في الدنيا، كقوم نوح وما عذبهم الله به [٣] من الغرق العام لجميع أهل الأرض، وأصحاب الرس وقد تقدمت قصتهم في "سورة الفرقان" ﴿وَثَمُودُ (١٢) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ﴾، وهم أمته الذين بعث إليهم من أهل سَدُوم ومعاملتها من الغور، وكيف خسف الله بهم الأرض، وأحال أرضهم بحيرة منتنة خبيثة؛ بكفرهم وطغيانهم ومخالفتهم الحق ﴿وَأَصْحَابُ الْأَيكَةِ﴾ وهم قوم شعيب ﴿وَقَوْمُ تُبَّعٍ﴾، وهو اليماني. وقد ذكرنا من شأنه في "سورة الدخان" بما أغنى عن إعادته هاهنا، ولله الحمد.

﴿كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ﴾ أي: كل من هذه الأمم وهؤلاء القرون كذب رسوله، ومن كذب برسول [٤] فكأنما كذب بجميع [٥] الرسل، كقوله: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾، وإنما جاءهم رسول واحد، فهم في نفس الأمر لو جاءهم جميع الرسل كذبوهم، ﴿فَحَقَّ وَعِيدِ﴾ أي: فحق عليهم ما أوعدهم الله على التكذيب من العذاب والنكال. فليحذر المخاطبون أن يصيبهم ما أصابهم؛ فإنهم قد كذبوا رسولهم كما كذب أولئك.

وقوله: ﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ﴾ أي: أفأعْجزنا ابتداء الخلق حتى هم في شك من الإِعادة، ﴿بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾: والمعنى أن ابتداء الخلق لم يعجزنا


[١]- ما بين المعكوفتين في ز: "أوليس الذي خلق السماوات والأرض". وهو خطأ.
[٢]- في ز: مما.
[٣]- سقط من ز.
[٤]- في خ: رسولًا.
[٥]- في خ: جميع.