للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما كان أطوع خلق الله لله، وأكثرهم تعظيمًا لأوامره ونواهيه قال حين بركت به الناقة: "حبسها حابس الفيل". ثم قال: "والذي نفسي بيده، لا يسألوني اليوم شيئًا يعظمون به حُرمات الله إلا أجبتهم إليها" (١٠).

فلما أطاع الله في ذلك وأجاب إلى الصلح، قال الله له: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيكَ﴾ أي: في الدنيا والآخرة ﴿وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ أي: بما يشرعه لك من الشرع العظيم والدين القويم، ﴿وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾ أي: بسبب خضوعك لأمر الله يرفعُك الله وينصرك على أعدائك. كما جاء في الحديث الصحيح (١١): " وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله". وعن عمر بن الخطاب أنه قال: ما عاقبت-[أي: في الدنيا والآخرة] [١]- أحدًا عصى الله تعالى فيكَ بمثل أن تطيعَ الله فيه.

﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (٤) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (٥) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (٦) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (٧)

يقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ﴾ أي: جعل الطمأنينة. قاله ابن عباس، وعنه: الرحمة.


(١٠) - جزء من حديث المسور بن مخرمة، ومروان في قصة الحديبية، أخرجه البخاري في كتاب الشروط، باب: الشروط في الجهاد، حديث (٢٧٣١، ٢٧٣٢).
(١١) - جزء من حديث أبي هريرة تقدم تخريجه في تفسر سورة الإسراء وأوله: "ما نقص مال من صدقة".