للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمركم به؟ أم هو شيء اقترحتموه من عند أنفسكم؟ ولهذا قال: ﴿ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا﴾ أي: هاتوا كتابًا من كتب الله المنزلة على الأنبياء [١]- عليهم الصلاة والسلام - يأمركم بعبادة هذه الأصنام، ﴿أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ﴾ أو [٢] دليل بيّن على هذا المسلك الذي سلكتموه ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ إذ [٣]: لا دليل لكم نقليًّا ولا عقليًّا على ذلك. ولهذا قرأ آخرون: (أو أثرَة من علم) أي: أو علم صحيح [يأثرونه عن] [٤] أحد ممن قبلهم، كما قال مجاهد في قوله: ﴿أو أثارة عن علم﴾: أو أحد يأثُر علمًا. وقال العوفي عن ابن عباس: أو بينة من الأمر.

وقال الإمام أحمد (١): حدثنا يحيى، عن سفيان، حدثنا صفوان بن سُلَيم [٥]، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن ابن عباس- قال سفيان: لا أعلم إلا عن النبي صلى الله عليه


(١) - المسند (١/ ٢٢٦) (١٩٩٢) وإسناده صحيح، رجاله رجال الشيخين؛ إلا أنه ليس على شرط واحد منهما؛ فإن رواته صفوان ليس سليم عن أبي سلمة لم يخرجها من الستة غير النسائي، وقد صحح هذا الحديث العلامة أحمد شاكر في "تعليقه على المسند".
والحديث رواه أيضًا الطبراني في الكبير (١٠/ ٣٦٣) (١٠٧٢٥)، وفي الأوسط (٢٦٩) من طريق سعيد بن أبي أيوب، عن صفوان بن سليم، عن أبي سلمة، عن ابن عباس عن رسول الله أنه سئل عن الخط فقال: هو أثارة من علم. وعزاه السيوطي في الدر المنثور (٦/ ٤) لابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (١/ ١٩٧)، (٧/ ١٠٨) وعزاه لأحمد والطبراني ثم قال: ورجال أحمد رجال الصحيح.
ورواه الحاكم في المستدرك (٢/ ٤٥٤) من طريق محمد بن كثير العبدي، ثنا سفيان، عن صفوان به موقوفًا على ابن عباس ثم قال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه وقد أُسنِد عن الثوري من وجه غير معتمد". وقد أقر الذهبي الحاكم في تصحيحه هذا الحديث على شرط الشيخين وهو وهم منهما رحمهما الله- فإن رواته صفوان عن أبي سلمة ليست في الصحيحين ولا في أحدهما كما سبق بيانه.
وقول الحاكم: "وقد أسند عن الثوري من وجه غير معتمد" لا أراه صحيحًا فإنه من رواية يحيى، عن سفيان ورفع الحديث لا يعد علة؛ فإنه رواية ثقة فيه زيادة علم وزيادة الثقة مقبولة. وقد رواه أيضًا ابن جرير في تفسيره (٢٦/ ٢) من طريق أبي عاصم النبيل، عن سفيان بهذا الإسناد موقوفًا.
ورواه الحاكم (٢/ ٤٥٤)، والطبراني في الصغير (٤٧٢) من طريق عمرو بن الأزهر، عن ابن عون، عن الشعبي، عن ابن عباس في قوله: "أو أثارة من علم" قال: جودة الخط، قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن ابن عون إلا عمرو بن الأزهر.
قلت: عمرو بن الأزهر هو العتكي قاضي جرجان ضعفه ابن معين، وقال البخاري: يرمى بالكذب، وقال النسائي وغيره: متروك، واتهمه أحمد. له ترجمة في الميزان (٤ / الترجمة ٦٣٢٨) وذكر هذا الحديث من مناكيره.