للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال السدي وابن جرير: يعني قوله: ﴿لَا جَرَمَ﴾: حقًّا [١]. وقال: الضحاك: ﴿لَا جَرَمَ﴾: لا كذب.

وقال علي بن أبي طلحة (٣٩)، عن ابن عباس: ﴿لَا جَرَمَ﴾، يقول: بلى، إن الذي تدعونني إليه من الأصنام والأنداد ﴿لَيسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ﴾.

قال مجاهد: الوثن ليس بشيء. وقال قتادة: يعني الوثن لا ينفع ولا يضر.

وقال السدي: لا يجيب داعيه، لا في الدنيا ولا في الآخرة.

وهذا كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾

﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ وقوله: - ﴿وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ﴾ أي: في الدار الآخرة، فيجازي كلًّا بعمله، ولهذا قال: ﴿وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ أي: خالدين فيها بإسرافهم وهو شركهم بالله ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ﴾ أي: سوف تعلمون صدق ما أمرتكم به ونهيتكم عنه، ونصحتكم ووضحت لكم، وتتذكرونه، وتندمون حيث لا ينفعكم الندم، ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ﴾ أي: وأتوكل على الله وأستعينه، وأقاطعكم وأباعدكم، ﴿إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ أي: هو بصير بهم، فيهدي من يستحق الهداية، ويضل من يستحق الإِضلال، وله الحجة البالغة، والحكمة التامة، والقدر النافذ.

وقوله: ﴿فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا﴾ أي: في الدنيا والآخرة، أما في [٢] الدنيا فنجاه الله مع موسى وأما في الآخرة فبالجنة. ﴿فَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾ وهو: الغرَق في اليم، ثم النقلة منه إلى الجحيم. [فإن أرواحهم] [٣] تعرض على النار صباحًا ومساء إلى قيام الساعة، فإذا كان يومُ القيامة اجتمعت أرواحُهم وأجسادهم [٤] في النار؛ ولهذا قال: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ أي: أشدَّه ألمًا وأعظمه نكالًا. وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور، وهي قوله: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا﴾.

ولكن هاهنا سؤال، وهو أنه لا شك أن هذه الآية مكية، وقد استدلوا بها على عذاب القبر في البرزخ، وقد قال الإِمام أحمد (٤٠):


(٣٩) - إسناده منقطع، علي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس.
(٤٠) - " المسند" (٦/ ٨١) وذكره الهيثمي في "المجمع" (٣١/ ٥٧ - ٥٨) وقال: "هو في الصحيح باختصار، وهذا رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وصححه المصنف هنا على شرط الشيخين مع أنهما لم يرويا حديثًا =