للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كان قد غضب على زوجته، ووَجَد عليها في أمر فعْلته. قيل: باعت ضفيرتها بخبز فأطعمته إياه [١]، فلامها على ذلك، وحلف إن شفاه الله ليضربنها مائة جلدة. وقيل: لغير ذلك من الأسباب. فلما شفاه الله وعافاه، ما كان جزاؤها مع هذه الخدمة التامة والرحمة والشفقة والإحسان أن تقابل بالضرب، فأفتاه الله ﷿ أن يأخذ ضغثًا -وهو: الشّمراخ- فيه مائة قضيب فيضربها به ضربة واحدة، وقد بَرّت يمينه، وخرج من حنثه ووفى [٢] بنذره، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأناب إليه؛ ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾، أثنى الله تعالى عليه ومدحه بأنه ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ أي: رجاع منيب؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) يَرْزُقْهُ مِنْ حَيثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ وقد استدل كثير من الفقهاء [٣] بهذه الآية الكريمة علي مسائل في الإيمان وغيرها، وأخذوها بمقتضاها.

﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيدِي وَالْأَبْصَارِ (٤٥) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (٤٦) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَينَ الْأَخْيَارِ (٤٧) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (٤٨)

يقول تعالى مخبرًا عن فضائل عباده المرسلين وأنبيائه العابدين: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيدِي وَالْأَبْصَارِ﴾، يعني بذلك: العمل الصالح والعلم النافع والقوة في العبادة والبصيرة النافذة.

قال علي بن أبي طلحة: عن ابن عباس: ﴿أُولِي الْأَيدِي وَالْأَبْصَارِ﴾، يقول: أولي القوة والعبادة ﴿وَالْأَبْصَارِ﴾، يقول: الفقه في الدين.

وقال مجاهد: ﴿أُولِي الْأَيدِي﴾ يعني: القوة في طاعة الله، ﴿وَالْأَبْصَارِ﴾ يعني: البصر في الحق.

وقال قتادة والسدي أعطوا قوة في العبادة وبصرًا في الدين.

وقوله: ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾ قال مجاهد: أي جعلناهم يعملون للآخرة ليس لهم هَمّ غيرها. وكذا قال السدي: ذكرهم للآخرة وعملهم لها.

وقال مالك بن دينار: نزع الله من قلوبهم حب الدنيا وذكرها، وأخلصهم لحب الآخرة


[١]- سقط من: ز.
[٢]- سقط من: خ.
[٣]- في خ: "العلماء".