كنا نجهد. قال الفتى: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أعناقنا. قال: قال حذيفة: يا بن أخي، والله لو رأيتنا مع رسول الله، ﷺ، بالخندق وصلى رسول الله، ﷺ، هويًّا من الليل، ثم التفت فقال:"من رجل يقُوم فينظر لنا ما فعل القوم؟ " -يشرط [١] له النبيّ ﷺ أنه يرجع- أدخله الله الجنة". قال: فما قام رجل. ثم صلى رسول الله، ﷺ، هويًّا من الليل، ثم التفت إلينا، فقال مثله، فما قام منا رجل. ثم صلى رسول الله، ﷺ، هويًّا من الليل ثم التفت إلينا فقال: "من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع - يشرط [٢] له رسول الله ﷺ الرجعة - أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة". فما قام رجل من القوم؛ من شدة الخوف، وشدة الجوع، وشدة البرد، فلما لم يقم أحد، دعاني رسول الله، ﷺ، فلم يكن لي بد بن القيام حين دعاني فقال: "يا حذيفة، اذهب فأدخل في القوم فانظر ما يفعلون، ولا تُحْدثَنّ شيئًا حتى تأتينا". قال: فذهبت فدخلت [في القوم][٣]، والريح وجنود الله ﷿ تفعل بهم ما تفعل، لا تُقر لهم قِدْرَا [٤] ولا نارًا ولا بناءً، فقام أبو سفيان فقال: بها معشر قريش، لينظر امرؤ مَن جليسه. قال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي إلى جنبي، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا فلان بن فلان، ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكُرَاع والخُفّ، وأخلفتنا بنو قُرَيظة، وبَلَغَنا عنهم الذي نكره، ولقينا من هذه الريح الذي ترون، والله ما تطمئن لنا قدر [٥]، ولا تَقُوم لنا نار [٦]، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا، فإني مُرْتحل، ثم قام إلى جَمَله وهو معقول، فجلس عليه، ثم ضربه، فوثب به على ثلاث، فما أطلق عقَاله إلا وهو قائم، ولولا عهد رسول الله، ﷺ، إلى: "أن لا تحدث شيئًا حتى تأتينا" ثم شئتُ لقتلته بسهم.
قال حذيفة: فرجعت إلى رسول الله، ﷺ، وهو قائم يصلي في مرط [٧] لبعض نسائه مُرَحَّل - فلما رآني أدخلني بين رجليه، وطرح عليَّ طرف المرْط، ثم ركع، وسجد، وإني لفيه، فلما سلم أخبرته الخبر، وسمعت غَطَفان بما فعلت قريش، فانشمروا [٨] راجعين إلى بلادهم.
وقد رواه مسلم في صحيحه (٣٠) من حديث الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: