للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسلام بن مشكم، وكنانة بن الربيع، خرجوا إلى مكة واجتمعوا بأشراف قريش، وألبوهم على حرب رسول الله، ، ووعدوهم من أنفسهم النصر والإعانة، فأجابوهم إلي ذلك. ثم خرجوا إلى [١] غطان فدعوهم فاستجابوا لهم أيضًا. وخرجت قريش في أحابيشها (*) ومن تابعها، وقائدهم أبو سفيان صخر بن حرب، وعلى غطفان عُيَينة بن حصن بن بدر، والجميع قريب من عشرة آلاف، فلما سمع رسول الله، ، بمسيرهم أمر المسلمين بحفر الخندق حول المدينة مما يلي الشرق، وذلك بإشارة سلمان الفارسيّ فعمل المسلمون فيه واجتهدوا، ونقل معهم [٢] رسول الله، ، التراب وحفرَ، وكان في حفره ذلك آيات بينات ودلائل واضحات. وجاء المشركون فنزلوا شرقي المدينة قريبًا من أحد، ونزلت طائفة منهم في أعالي أراضي [٣] المدينة، كما قال الله تعالى: ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ﴾، وخرج رسول اللَّه، ، ومن معه من المسلمين، وهم نحو ثلاثة آلاف -وقيل: سبعمائة- وأسندوا ظهورهم إلى سَلْع ووجوههم إلى نحو العدو، والخندق حفير ليس فيه ماء بينهم وبينهم يحجب الرجالة والخيالة أن تصل إليهم، وجعل النساء والذراري في آطام (**) المدينة، وكانت بنو قريظة -وهم طائفة من اليهود- لهم حصن شرقي المدينة، ولهم عهد من النبي، ، وذمة، وهم قريب من ثمانمائة مقاتل، فذهب إليهم حُيي بن أخطب النضَري، فلم يزل بهم حتى نقضوا العهد، ومالئوا الأحزاب على رسول الله ، فعظم الخطب واشتد الأمر، وضاق الحال؛ كما قال اللَّه تعالى: ﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾.

ومكثوا محاصرين للنبي، ، وأصحابه قريبًا من شهر، إلا أنهم لا يصلون إليهم، ولم يقع بينهم قتال إلا أن عمرو بن عبد ود العامري -وكان من الفرسان الشجعان المشهورين في الجاهلية- ركب ومعه فرارس فاقتحموا الخندق، وخلصوا إلى ناحية المسلمين وندب [٤] رسول الله، صلى الله عليه وصلم، خيل المسلمين إليه، فلم يبرز إليه أحد، فأمر عليا فخرج إليه، فتجاولا ساعة، ثم قتله علي ، فكان علامة على النصر.

ثم أرسل الله ﷿ على الأحزاب ريحًا شديدة الهبوب قوية، حتى لم تبق لهم خيمة ولا شيء ولا تُوقد لهم نار، ولم يقر لهم قرار حتى ارتحلوا خائبين خاسرين؛ كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيهِمْ رِيحًا﴾.


(*) قال ابن الأثير: هم أحياء القارة انضموا إلى بني ليث في محاربتهم قريشًا. والتحبش: التجمع. وقيل: حالفوا قريشًا تحت جبل يُسَمى حبشيا فشكوا بذلك.
(**) الآطام: جمع أُطُمٍ؛ وهو البناء المرتفع.