للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مني، وأنا منك". وقال لجعفر: "أشبهت خَلْقي وخلُقي". وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا" (١٠).

ففي هذا الحديث أحكام كثيرة من أحسنها أنه حكم بالحق، وأرضى كل من المتنازعين، وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا كما قال تعالى: ﴿فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾.

وقال ابن جرير (١١): حدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن علية، عن عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: قال أبو بكرة: قال اللَّه ﷿: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾، فأنا ممن لا يعرف أبوه، وأنا من إخوانكم في الدين. قال أبي: والله، إني لأظنه لو علم أن أباه كان حمارًا لانتمى إليه.

وقد جاء في الحديث: "من ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر" (١٢).

وهذا تشديد وتهديد، ووعيد أكيد، في التبري من النسب المعلوم؛ ولهذا قال: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾.

ثم قال: ﴿وَلَيسَ عَلَيكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ﴾ أي: إذا نسبتم بعضهم إلي غير أبيه في الحقيقة خطأ، بعد الاجتهاد واستفراغ الوسع، فإن اللَّه قد وضع الحرج في الخطأ ورفع إثمه، كما أرشد إليه في قوله آمرًا عباده أن يقولوا: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾.

وثبت في صحيح مسلم (١٣) أن رسول الله، ، قال: "قال الله: قد فعلت".

وفي صحيح البخاري (١٤)، عن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله، صلى الله عليه


(١٠) - أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلح، باب: كيف يكتب "هذا ما صالح فلان بن فلان … " حديث (٢٦٩٩)، وفي المغازي، باب: عمرة القضاء، حديث (٤٢٥١)، والترمذي في البر والصلة، باب: ما جاء في بر الخالة، حديث (١٩٠٤)، وفي المناقب حديث (٣٧١٦)، (٣٧٦٥) من طريق أبي إسحاق عن البراء بن عازب.
(١١) - تفسير الطبري (٢١/ ١٢١).
(١٢) - رواه البخاري، في كتاب المناقب، حديث (٣٥٠٨) بمعناه. وطرفه (٦٠٤٥).
(١٣) - صحيح مسلم حديث (١٢٦).
(١٤) - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، حديث (٧٣٥٢) ولفظه: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" والحديث أخرجه أيضًا مسلم في الأقضية حديث (١٧١٦) من طريق أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو به مثل لفظ البخاري. وقد تقدم تخريج الحديث في سورة الأنبياء الآية (٧٩).