للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القرآن آيات بينة واضحة في الدلالة على الحق أمرًا ونهيًا وخبرًا، يحفظه العلماء، يَسّره الله عليهم حفظًا وتلاوة وتفسيرًا، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾، وقال رسول الله (٣٦): " ما من نبي إلا وقد أعطي ما آمن علي [١]، مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا".

وفي حديث عياض بن حمار -في صحيح مسلم (٣٧) -: " يقول الله تعالى: إني مبتليك ومبتل بك، ومنزل عليك كتابًا لا يغسله الماء، تقرؤه نائمًا يقظان". أي: لو غسل الماء المحل المكتوب فيه لما احتيج إلى ذلك المحل كما جاء في الحديث الآخر (٣٨): " لو كان القرآن في إهاب لما [٢] أحرقته النار" لأنه محفوظ في الصدور، ميسر علي الألسنة، مهيمن علي القلوب، معجز لفظًا ومعنى. ولهذا جاء في الكتب المتقدمة، في صفة هذه الأمة: "أناجيلهم في صدورهم".

واختار ابن جرير (٣٩) أن المعنى في قوله تعالى: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾، بل العلم بأنك [٣] ما كنت تتلو من قبل هذا الكتاب كتابًا ولا تخطه بيمينك آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب. ونقله عن قتادة وابن جريج، وحكى الأول عن الحسن فقط. قلت: وهو الذي رواه العوفي عن عبد الله بن عباس، وقاله الضحاك، وهو الأظهر، والله أعلم.

وقوله: ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إلا الظَّالِمُونَ﴾، أي: ما يكذب بها ويبخس حقها ويردها إلا الظالمون، أي: المعتدون المكابرون، الذين يعلمون الحق ويحيدون عنه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾.

﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيهِمْ


(٣٦) رواه البخاري في صحيحه حديث (٧٢٧٤) من حديث أبي هريرة ، وسيأتي إن شاء الله.
(٣٧) صحيح مسلم حديث (٢٨٦٥).
(٣٨) رواه أحمد في مسنده (٤/ ١٥١) من حديث عقبة بن عامر، وتقدم الكلام عليه في فضائل القرآن.
(٣٩) تفسير الطبري (٢١/ ٥).