للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ينادي مناد فيقول: أين فلان بن فلان؟ فيأتي يتبعه من الحسنات أمثال الجبال. فيشخص (* * *) الناس إليها أبصارهم حتى يقوم بين يدي اللَّه الرحمن -عز جل- ثم يأمر المنادي فينادي: مَنْ كانت له تِباعة -أو: ظُلامة- عند فلان بن فلان، فهلمّ. فيقبلون حتى يجتمعوا قيامًا بين يدي الرحمن. فيقول الرحمن: اقضوا عن عبدي. فيقولون: كيف نقضي عنه؟ فيقول لهم: خذوا لهم من حسناته. فلا [١] يزالون يأخذون منها حتى لا يبقى له حسنة وقد بقى من أصحاب الظلامات. فيقول اقضوا عن عبدي. فيقولون: لم يبق [٢] له حسنة. فيقول: خذوا [٣] من سيئاتهم فاحملوها عليه. ثم نَزَع النبي بهذه الآية الكريمة: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (١٣)﴾.

وهذا الحديث له شاهد في الصحيح من غير هذا الوجه.

وقال ابن أبي حاتم (٥): حدثني [٤] أحمد بن أبي الحواري، حدثنا أبو بشر الحذاء عن أبي حمزة البيساني [٥]، عن معاذ بن جبل قال: قال لي رسول الله : "يا معاذ، إن المؤمن يسأل يوم القيام عن جميع سعيه، حتى عن كحل عينيه وعن فتات الطينة بإصبعيه، فلا ألفِيَنّكَ [٦] تأتي يوم القيامة وأحد أسعد بما آتاك الله منك".

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (١٤) فَأَنْجَينَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالمِينَ (١٥)

هذه تسلية من الله تعالى لعبده ورسوله محمد -صلوات اللَّه وسلامه عليه- يخبره عن نوح : أنه مكث في قومه هذه المدة يدعوهم إلي الله ليلًا ونهارًا، [سرًّا وإجهارًا] [٧]، ومع هذا ما زادهم ذلك إلا فرارًا عن الحق، وإعراضًا عنه وتكذيبًا له، ما آمن معه منهم إلا قليل، ولهذا قال: ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ


(* * *) شخص إليه يبصره: فتح عينيه ولم يطرف بهما، متأملًا أو منزعجًا.
(٥) ورواه أبو نعيم في الحلية (١٠/ ٣١) من طريق إسحاق بن أبي حسان، عن أحمد بن أبي الحواري به.