للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿سِحْرَانِ﴾. يعنون: موسى وهارون. وهذا قول جيد قَوي، والله أعلم.

وقال مسلم بن يسار [١]، عن ابن عباس ﴿قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾، يعني: موسى ومحمدًا -صلوات الله وسلامه عليهما- وهذه [٢] رواية عن الحسن البصري.

[وقال الحسن] [٣] وقتادة: يعني عيسى - ومحمد- صلي الله عليهما وسلم - وهذا فيه بعد، لأن عيسى لم يجر له ذكر هاهنا، والله أعلم.

وأما من قرأ: (سحران تظاهرا) (*)، فقال علي بن أبي طلحة والعوفي، عن ابن عباس: يعنون التوراة والقرآن. وكذا قال عاصم الجَنَديّ، والسّديّ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال السدي: يعني صَدّق كل واحد منهما الآخر.

وقال عكرمة: يعنون التوراة والإنجيل، وهو رواية عن أبي زرعة، واختاره ابن جرير (٢٣).

وقال الضحاك وقتادة: الإِنجيل والقرآن. والله سبحانه أعلم بالصواب.

والظاهر علي قراءة: (سحران) أنهم يعنون التوراة والقرآن؛ لأنه قال بعده: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ﴾. وكثيرًا ما يقرن الله بين التوراة والقرآن، كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ﴾ إلي أن قال: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾، وقال في آخر السورة: ﴿ثُمَّ آتَينَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ﴾ إلي أن قال: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ وقالت الجن: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى﴾ وقال ورقة بن نوفل: هذا الناموس الذي أنزل علي موسى. وقد علم بالضرورة لذوي الألباب أن الله لم ينزل كتابًا من السماء -فيما أنزل من الكتب المتعددة علي أنبيائه- أكمل ولا أشمل ولا أفصح ولا أعظم ولا أشرف من الكتاب الذي أنزل علي محمد- وهو القرآن، وبعده في الشرف والعظمة الكتاب الذي أنزله علي موسى بن عمران وهو التوراة التي قال الله تعالى فيها: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيهِ شُهَدَاءَ﴾ والإنجيل إنما نزل متممًا للتوراة ومحلًّا لبعض ما حرم علي بني إسرائيل؛ ولهذا قال تعالى: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٩)﴾، أي: فيما تدافعون به الحق وتعارضون به من الباطل.


(٢٣) تفسير الطبري (٢٠/ ٥٣).