للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾، يعني: بالشرك

﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٣)

يقول تعالى مخبرًا [عن] [١] رسوله وآمرًا له أن يقول ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ﴾ كما قال ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾.

إضاف [٢] الربوبية إلى البلدة على سبيل التشريف لها [٣] والاعتناء بها، كما قال: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾.

وقوله: ﴿الَّذِي حَرَّمَهَا﴾، أي: الذي إنما صارت حرامًا قدرًا وشرعًا، بتحريمه لها، كما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس قال: قال رسول الله يوم فتح مكة: "إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرامة الله إلي يوم القيامة، لا يُعضَد شوكه، ولا ينفر صيدةُ، ولا يلتقط لقطتة إلا لمن عرفها، ولا يختلي خلاها … " (٣٦). الحديث بتمامه. وقد ثبت في الصحاح والحسان والمسانيد من طرق جماعة تفيد القطع، كما هو مبين في موضعه من "كتاب الأحكام"، ولله الحمد.

وقوله: ﴿وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ﴾، من باب عطف العام علي الخاص، أي: هو رب هذه البلدة، ورب كل شيء ومليكه ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾، أي: الموحدين المخلصين المنقادين لأمره المطيعين له [٤].

وقوله: ﴿وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ﴾، أي: على الناس أبلغهم إياه، كقوله: ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ﴾ وكقوله: ﴿نَتْلُو عَلَيكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ


(٣٦) صحيح البخاري، كتاب الحج (١٨٣٤)، وصحيح مسلم، كتاب الحج (١٣٥٣)، وسنن أبي داود، كتاب المناسك (٢٠١٨)، وسنن الترمذي، كتاب السير (١٥٩٠)، وسنن النسائي، كتاب مناسك الحج (٥/ ٢٠٣)، والمسند (١/ ٢٥٩).