للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَعَلّ أميرَ المؤمنينَ يَسُوؤُه [١] … تَنَادُمُنا بالجَوْسَقِ المُتهَدّم

فلما بلغ أمير المؤمنين قال: إي والله، إنه ليسوؤني ذلك، ومن لقيه فليخبره أني قد عزلته وكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم. ﴿حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾. أما بعد، فقد بلغني قولك:

لعلّ أمير المؤمنين يسوؤه … تنادمُنا بالجوسَقِ المتهدِّمِ

وايمُ الله، إنه ليسوؤني وقد عزلتك. فلما قدم على عمر بكَّتَهُ (*) بهذا الشعر فقال: والله يا أمير المؤمنين، ما شربتُها قط، وما ذاك الشعر إلا شيء طَفَح على لساني. فقال عمر: أظنّ ذلك، ولكن - والله - لا تعمل لي على عمل أبدًا وقد قلت ما قلت.

فلم يُذكر أنه حدَّهُ على الشراب، وقد ضمنه شعره، لأنهم يقولون ما لا يفعلون، ولكنه ذمه عمر ولامه على ذلك وعزله به؛ ولهذا جاء في الحديث: "لأن يمتليء جوف أحدكم قيحًا، يَرِيه خيرٌ له من أن يمتليء شِعرًا" (٣٤)، والمراد من هذا أن الرسول الذي أنزل عليه [هذا] [٢] القرآن ليس بكاهن ولا بشاعر؛ لأن حاله مناف لحالهم من وجوه ظاهرة؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ وقال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. وهكذا قال هاهنا: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ … إلى أن قال: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾. إلى أن قال: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (٢٢٣) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ﴾.

وقوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾. قال محمد بن إسحاق، عن يَزيد [٣] ابن عبد الله بن قُسَيط، عن أبي الحسن سالم البَرّاد مولى تميم الداريّ؛ قال: لما نزَلتْ ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾، جاء حسان بن ثابت، وعبد الله بن رَوَاحة، وكعب بن مالك، إلى رسول الله، ، وهم يبكون فقالوا: قد علم الله حين أنزل هذه الآية أنا شعراء. فتلا النبي : ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، قال: "أنتم"، ﴿وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾، قال: "أنتم"، ﴿وَانْتَصَرُوا


(٣٤) رواه مسلم في صحيحه حديث (٢٢٥٧) من حديث أبي هريرة .