للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليه، وأنه لا يُخلّص أحدًا منهم إلا إيمانه بربه ﷿. وأمَرَه به [١] أن يُليّن جانبه لمن اتبعه من عباد الله المؤمنين، ومن عصاه من خلق الله كائنًا من كان فليتبرأ منه، ولهذا قال: ﴿فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾. وهذه النّذارة الخاصة لا تنافي العامة، بل هي فرد من أجزائها، كما قال: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ وقال: ﴿لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾، وقال: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾ وقال: ﴿لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا﴾ وقال: ﴿لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ كما قال: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾.

وفي صحيح مسلم: "والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار".

وقد وردت أحاديث كثيرة في نزول هذه الآية الكريمة، فلنذكرها:

الحديث الأول: قال الإمام أحمد (١٣) : حدثنا عبد الله بن نمير، عن الأعمش، عن عمرو بن مُرة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قال: لما أنزل الله ﷿: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾، أتى النبي الصفا فصعد عليه، ثم نادى: "يا صباحاه". فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء إليه، وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله : "يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني لؤي [٢]، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلًا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم، صدقتموني؟ ". قالوا: نعم. قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد". فقال أبو لهب: تبًّا لك سائر اليوم! أما دعوتنا إلا لهذا؟ وأنزل الله: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾.

ورواه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي، من طرق، عن الأعمش، به.

الحديث الثاني: قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا هشام، عن أبيه، عن عائشة؛ قالت: لما نزلت: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾، قام رسول الله فقال: "يا فاطمة بنة محمد، يا صفية بنة عبد المطلب، يا بني عبد المطلب، لا أملك لكم من الله شيئًا سلوني من مالي ما شئتم". انفرد بإخراجه مسلم (١٤).


(١٣) المسند، وصحيح البخاري حديث (٤٨٠١)، وصحيح مسلم حديث (٢٠٨)، والنسائي في السنن الكبرى حديث (١١٧١٤)، وسنن الترمذي حديث (٣٣٦٣).
(١٤) المسند (٦/ ١٣٦، ١٨٧) (٢٥١٥٦، ٢٥٦٤٣)، أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب: قوله=